إهداء
إلى كل من تذوق لذة
الحب وحلاوة العشق, إلى كل من أحب بصدق وضحى من أجل من يحب, إلى كل القلوب النابضة
والأرواح النقية.
المقدمة
الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين, هذه تجربتي الأولى لكتابة
رواية أدبيه باللغة العربية الفصحى, حاولت كثيراً ان اجعلها اقرب للواقع من الخيال
وفي الحقيقة عندما نبحث في واقع حياتنا نجد قصص اغرب بكثير من الخيال حتى أن
الخيال يقف عاجز امامها, إما لروعتها أو لقسوتها وفي كلا الامرين قدر من الله
نحمده عليه, وكل ما يكتبه الله علينا خيراً ان لم يسرنا اليوم سرنا غداً, سأدعكم
الآن تقرؤون روايتي الأولى اقتبستها من واقع الحياة وتخللها بعض خيوط الخيال سائلة
المولى أن تحوز على رضاكم وتسعدون وتستمتعون بقراءتها.
سراب.
يُقال: للحب أحجية
الوجود فليس هناك من عرف ما هو الحب؟ وليس هناك من لم يعرف الحب.
وأنا أقول: تعجز
ابجديتنا بحروفها ونحويتها عن تفسير معنى الحب؛ لأنه عندما يُفسر لا يصبح حباً على
الإطلاق بل يفقد ماهيته المبهمة.
لا نملك السلطة على
اهوائنا وقلوبنا, بل تقودنا هي إلى حيث لا نعلم وقد تُوصلنا إلى حيث لا نريد.
لم أؤمن بالحب من
قبلك, ولم اعرف المستحيل إلا معك, انت من علمني كل شيء.
أحببتك بطريقة فاقت
جميع العقول احببتك بقلبي وقلبي ليس له عقل.
لا أعترف بالمنطقية
معك بل تنتحر جميع مبادئي على ضفاف عِشقك.
وصفوني بالجنون فجننت
بك أكثر, وهانت لدي جميع التضحيات لأن مطلبي هو قلبك, وتذِل الهِبات إذا عُزة
مطالبها.
أمنيتك.
(عشق الطفولة)
الفصل الأول
من هنا كانت البداية,
خُلقنا من رحم الحياة سوياً في ذات اليوم والمكان لا يُفرق بيننا سوى سويعات قِلال,
مكة المكرمة, يوم الثلاثاء 13/05/1393هـ, هذا هو تاريخ ميلادنا ومنذ ذلك الحين شهِد
التاريخ قصتنا.
كنا نسكن في احدى
احياء مكة المكرمة (الشعبية) منزلنا يجاور منزلكم مباشرة نلتقي خلفهما في غرفة
قديمة حيطانها من الطين اشبه بكهف صغير نختبئ بداخلها دائماً حتى لا يرانا احد, نقشنا
على تلك الحيطان اسمائنا واجمل ذكرياتنا واحتضن الكهف جميع اسرارنا وشهِد كل عهودنا
وقصصنا.
أنا الفتاة الثامنة في
أسرتي سبقني إلى الحياة سبع فتيات لا رجل بينهن, نعيش في مجتمع شرقي (ذكوري) لا
يمكن للمرأة فيه أن تتساوى مع الرجل بأي شكل من الاشكال وهذا لا اختلاف فيه ولكن
ما يثير غضبي هي نظرتهم الدونية للمرأة, ولطالما سمعت أبي يتضجر من هذا الامر؛ لأنه
كان يتمنى أن يُرزق ولو بصبيّ واحد ولكن لم يشاء الله ذلك ويبدو أن مجيئي للحياة
حطم خاتم آماله.
فقدي للأخوة الذكور صنع بداخلي أنا ايضاً فراغ
صغير لم يملئه هدوء اماني, ولا عصبية سارة, ولا حكمة ازهار, ولا طيبة حنان, ولا براءة
ابرار, ولا تفاءل امل, وكذا حنكة فاطمة هؤلاء هن أخياتي, جميعنا على قلب واحد
تربينا على الاخلاق الفاضلة كبيرتنا تحترم صغيرتنا وجميعنا يداً واحده, طاعة الأوامر
خصلة غُرست فيهن جميعاً ويبدو انها لم تُغرس بي, عادتاً أُعرف بأني الفتاة المدللة
على الجميع ورغم ذلك اشتهر بعصياني وتحطيمي لجميع القواعد التي نشئن عليها اخواتي
من قبلي, لم يسبق لإحداهن أن تعصي لأبي امراً أو ترد عليه ولو بكلمه أما أنا
فأجادل دائماً ولا افعل سوى ما اقتنعت به فقط وما عداه لا اراه ولا اسمعه ولا
افعله, وهذا ما يثير غضب اخواتي كثيراً واصبح ينفرني منهن ايضاً, شعرت بالوحشة
بينهن لا اشعر أن احداهن تشبهني أو تؤيد تصرفاتي بِت اشعر بالغربة بينهن وابحث عن
ملاذ آمن اجد به ما يسد ذلك الصّدع ويملئ فراغ قلبي.
كنت اجلس في كهفنا
الصغير بمفردي, اتيت اليّ يومها بفرح لتخبرني بأنك سمعت أباك يتحدث لأبي, وانه ذكره
باتفاق جرى بينهما منذ عشرة اعوام أي منذُ ولادتنا, كنت اتسأل حينها على ماذا اتفقا؟
وما دخلنا نحن بهذا الاتفاق؟ اجبتني وكدت أن تطير فرحاً وانت تقولها.
أبي وعمي اتفقا على ان
تكوني لي.
اجتاحتني نوبة من الخجل حينها ولكن
شموخي وعنفواني لا يسمحان لي بالتصريح عن ذلك ابداً, قلت لك بغرور.
وكيف ذلك؟
أبي طلب ان تكوني زوجتي
عندما اكبر واباكِ وافقه الرأي منذ تلك اللحظة وحتى الآن.
حقا! ههه ما هذا الهراء؟
اصمت اصمت.
اقسمت لي بأنك صادق فيما
تقول ولم اصدقك, في الحقيقة كنت اود تصديقك ولكنني خشيت أن تكون مجرد مُزحه! ولن احتمل
حينها الحقيقة فاختصرت الطريق على نفسي ولم اصدقك منذ البداية.
لقد اقسمت على ما أقول,
لا يعني لي الكثير إن صدقتي أو لا ستكونين ليّ.
لن أكون طبعا, ولن يجبرني
على ذلك احد.
سأتزوجك وان رفض الجميع
وكذلك انتِ, لن ادعكِ ابدا تذكري هذا جيداً.
اصبحت اضحك بثقة تامه,
وكأنني كنت متيقنة انه مجرد هراء لم اسمح لنفسي بالتفكير في الامر ابداً, ولكن ما حدث
بعد ذلك اجبرني على التفكير قسراً.
حين عُقد قِران اخاك علي
وسارة اختي, كانت أجواء الحيّ صاخبة تملأها أصوات الطبول والانغام المختلفة والجميع
يرقصون بسعادة ومرح, اقبلت اليّ مسرعا اخذت بيدي وذهبت كنت تقودني إلى حيث لا ادري!
وكنت اصرخ حينها.
أحمد دعني أجننت؟ إلى
اين تأخذني؟
لم تلتفت إلىّ لقد كنت
مسرعاً جداً ومتمكنّ من قبضة يداي حاولت كثيراً افلاتها منك إلا أنك رفضت ان تدعها,
وليتك لم تدعها حتى الآن.
وصلنا إلى اعلى الجبل
كان المكان عالياً جداً نرى الجميع من هناك, ارعبني ذلك الشيء لأني اخشى الأماكن المرتفعة.
أحمد انزلني من هنا انت
تعلم انني اخشى المرتفعات.
استمريت بالصراخ عليك,
ولكنك لم تتفوه بكلمة واحده.
لماذا لا تجيبني؟ لماذا
تفعل هذا بي؟ لما لا تجيب؟ ألا تسمعني!
انظري هناك.
اين!
حيث تجلس ساره وبجانبها
علي, والجميع فرحون بهم والسعادة تغمرهم.
ماذا تريد أن تقول لا
تتحدث معي هكذا انت تخيفني كثيراً.
أتخافين وانتِ معي؟
نعم؛ لأني لا اعلم ماذا
تريد, أنا لا افهمك! حقا لم اعد افهم شيء على الاطلاق.
سأكون بجانبكِ هناك, هكذا
احلم أن نكون.
انت مجنون!
حسنا قد أكون ولكن انتِ
ليّ.
تركتك خلفي وعدت مسرعة
إلى الحفلة, وفي الطريق رأيت ابن خالي عمر.
عمر! متى وصلتم إلى هنا؟
مرحبا امنيه, منذ قليل
كنت ابحث عنكِ ماذا تفعلين في الأعلى؟
لا شيء مهم احببت أن أرى
المكان من الأعلى فقط.
أحمد: كنا نراه سوياً.
انت هنا إذا!
نعم, يزعجك ذلك؟
واختلق الاثنان شجاراً
كعادتهما ليس له أساس وأنا انظر اليهما ولا اعلم لماذا كانا يتشاجران بهذه القسوة والغضب
"لا شيء يدعوا لكل هذا" هكذا كنت أردد بداخلي, وفي الحقيقة أنا من لم يكن
يعي ما يحدث فقط.
اليك احدى رسائلك
التي بعثت بها اليّ.
إلى: امنيتي.
امنيه لستِ مجرد ابنت
جارنا فقط أنتِ أكثر من هذا بكثير, أنتِ امنيتي
كما أحب أن ادعوكِ, أنتِ بالنسبة اليّ حُلم حياتي الذي اطمح دائما أن اناله, ولكنكِ
في الوقت ذاته صعبةٌ دائماً, صعبةُ المنال منذ أول مرة صارحتكِ بذلك وحتى اليوم, يأسرني
ذلك الغرور والكبرياء الذي يسكن كل قطرة من دمكِ, لا تستسلمين ابداً لا تضعفين رغم
كل شيء دائماً انتِ القوية انتِ الصواب رغم الجنون والتهور الذي تنافسنا به دائماً,
نعم اعترف لكِ بأنني مجنون ومتهوراً ايضاُ وعصبي للغاية ولكن حبي لكِ هو السبب في كل
هذا, خوفي من أن افقدكِ يجعلني افعل أي شيء لكي تبقي ليّ أنا وأنا فقط, أناني بكِ حتى
الجنون وأكثر, لن اسمح لأحد أن يشاركني بكِ ولا اقرب الناس لنا, كم أتمنى لو تدركي
ذلك الشعور اقسمت لكِ مراراً ولم تصدقي ولم تشعري بيّ, لا اعلم كيف اوصل صادق احساسي
لكِ؟.
اكتفي بكِ.. أحمد
صدقتك يا أحمد اقسم
لك بأني مؤمنة بعشقك لي واعلم جيداً كم تحبني, كما اثق بمشاعرك تجاهي أكثر من نفسي
ولكن...
اتذكر حين كنا في الثانية
عشر من اعمارنا كنت اود تجربة كل شيء ولا اخشى العواقب ابداً, خرجت إلى الشارع وأنا
ارتدي بنطلون جينز وبلوزه بيضاء قصيرة والعباءة على عاتقي تتلاعب بها الرياح يمنة
ويسره لا تغطي أي شيء من جسدي, في الحقيقة كنت ارتديها نكاية بك لأنك تكره خروجي
من البيت بهذا الشكل, رأيتكم جميعاً انت وابناء الحىّ كنتم تلعبون بالدرجات واظن انكم
بدأتم السباق رأيت احدى الدراجات مسندة على الحائط ذهبت لأخذها, هل تتذكر ماذا
فعلت يومها؟ اوقفت السباق في الحال واقبلت إلىّ وامرتني بأن ادعها واعود إلى الداخل,
لم استمع اليك كعادتي واخذت الدراجة والأولاد ينظرون بل يرددون الاهازيج لتشجيعي, هنا
وصلت إلى قمة سروري حين رأيت نظرات الغضب في عينيك لقد شعرت وكأن الشرار يتطاير
منهما, أكملت طريقي واستمريت في عصيانك ولأني كنت ألتفت اليك واستلذ بغضبك لم
انتبه على الطريق حتى سقطت على الارض وكُسر ساعدي, لا انسى صرختك التي لا زالت تتردد
على مسامعي لا انسى خوفك وهلعك عليّ يومها, بقيت بجانبي حتى وصلت إلى المستشفى وبقيت
امام غرفة العمليات حتى اخرجوني منها وكنت أول من رأيته بعد الافاقة من التخدير أول
من كتب على الجبيرة (الجبس), لم ألقي تلك الجبيرة حتى الآن لازلت أنظر اليها واتذكر
عيناك المليئة بالدموع واللهفة والهلع واشياء كثيرة لم اتمكن من تفسيرها حتى اليوم.
وفي العام ذاته حين
خرجنا إلى البريه عائلتك وعائلتي, نصبنا الخيام وحل الظلام فأشعلنا النار, وكان
الجميع مستمتعون منهمكون في التسلية والترفيه عن الذات ابوانا وامهاتنا اخواتي
واخوتك بعضهم يقوم بالشواء والبعض الاخر بتحضير الطعام ومنهم من يستمتع بالجو
العليل أو يتبادل اطراف الحديث, أما أنا وانت فقد غادرناهم جميعاً وبقينا بمفردنا
كعادتنا, وفي اثناء لعبنا بالتراب اكتشفنا أن هناك نفق تحت الارض وجدنا له بوابتين
احداهن للدخول والأخرى للخروج, وبالطبع قررنا أن ندخل إلى داخله ونكتشف ما خبئ لنا
الزمان في ثناياه وبعد مداولات ومناقشات طويله قررت أنا الدخول بمفردي وانت تبقى
بانتظاري عند بوابة الخروج وعند وصولي إلى منتصف النفق, لدغني ثعبان اسود وبقيت
اتألم ولم استطع العبور صرخت كثيراً ولكنك لم تسمعني حاولت أن انقذ نفسي ولكن دون
جدوى, فقدت الوعي وبقيت في النفق إلى أن شعرت بأنني تأخرت وقررت النزول اليّ
فوجدتني ملقاة فاقدة للوعي لا اشعر بشيء, قمت بسحبي للخارج بصعوبة وذهبت مسرعاً
إلى اهلنا وانت تصرخ بفزع شديد.
أبي عمي النجدة امنيه
لا اعلم ما بها.
ماذا؟ اين هيا؟
دخلت النفق وتأخرت
كثيراً وأنا بقيت بانتظارها في الخارج, ولكن حين دخلت لأرى ما بها وجدتها فاقدة
للوعي.
لطفك يا الله.
اخذتموني إلى
المستشفى العام وعلمتم بأني قد لدغت من ثعبان مسموم, بقيت ساعات في الغيبوبة ولكن
بفضل الله استطاع الاطباء السيطرة على الامر ورفع عني الخطر, وبعد اربعة ايام
سمحوا لي بمغادرة المستشفى.
كان من الصعب عليّ التنقل
بسبب قدمي الملدوغة ولكنك كنت عكازتي التي طالما استندت عليها, لم اكن اجرئ على
وضع قدمي في الارض كنت اعيش في دوامة هلع اخشى من كل شيء, انت من علمني أن اصارع
خوفي فأصرعه وان اثق بنفسي واتحدى ضعفها علمتني امور كثيرة لن استطيع نسيانها أو
تجاهلها ما حييت, علمتني ان اقف من جديد على قدماي ان استعيد قوتي التي هدرتها
بضعفي وهلعي, علمتني ان أكون اقوى من كل ألام الحياة واوجاعها ومشاقها وان لا اسقط
ابداً مهما حدث.
إلى: امنيتي.
لا تسقط دمعاتي بسهوله
نعم هي كذلك تعشق العزوف دائماً وهكذا يجب أن يكون (الرجل الشرقي) القوي الذي لا يهزمه
حزن ولا يكسره ألم, ولكن امامكِ انتِ فقط لا أستطيع السيطرة على نفسي, عندما أخشى فقدكِ
أو أن يمسكِ اذى أَكاد أُجن, اضعف كثيراً عندما اقترب منكِ لا أعلم لماذا؟ يعذبني برودكِ
المصطنع عندما اغضب منكِ ويأسرني غروركِ جدا, ويصدمني كثيراً تهوركِ رغم عقلكِ الكبير
الناضج مبكراً إلا أنكِ تتصرفين بلا مسئولية في بعض الاوقات وتلقي بنفسك في التهلكة,
اخشى عليكِ من كل شيء ومن نفسكِ أكثر.
أكتفي بك, أحمد.
في آخر لقاء لنا كنا في
الثالثة عشر من اعمارنا, أي قبل أن نكبر ونبلغ الرشد وأرتدي الحجاب وامتنع عن رؤيتك
امام الجميع, حينما أُعلن انتقال عمل اباك إلى الرياض, كم كرهت الرياض في ذلك الحين
أحسست بأنها ستسرقك مني, كلا لقد سرقتك حقاً وسرقت أجمل ايامنا ومضى عمرنا سريعا ولم
نعي ذلك إلا حينما عدت اليّ في الوقت الضائع.
كان آخر لقاء لنا في
كهفنا حيث اختبأت عن الجميع هناك لكي ابكي دون أن يراني احد كما اعتدنا على فعل ذلك
دائماً, اتيت اليّ بخفية حتى لا اشعر بك اقتربت مني وسألتني بهمس.
ما الذي يبكيكِ؟
سترحلون من هنا!
نعم, ولكن سنعود دائماً
لزيارتكم.
لن نكون معاً, ستكون دائما
بعيداً عني, لن نكون كالسابق لن ندرس سويا لن نلعب معاً لن نتشاجر ولن نعيش معاً لن
تكون هنا, لا اصدق هذا أحمد لا اصدق.
واجهشت حينها بالبكاء,
مسحت دموعي وعاهدتني بأن تكون معي رغم كل شيء عاهدتني بأن لا تدعني رغم أي شيء وذهبت,
ذهبت على امل لقاءٍ قريب.
لم يكن ذلك اللقاء الموعود بعد اشهر ولا حتى بعد
عام كان ذلك اللقاء بعد عامين.
إلى: امنيتي.
أنا قادم اليكِ كما
وعدتكِ من قبل لن اخذلكِ امنيتي مهما كلفني الامر لا اصدق بعد كل هذا الزمن سوف
اراكِ مجدداً, اشتقت اليكِ رغم أن الشوق لا يقارن بما اشعر به, امنيتي أنا قادم من
جديد..
اكتفي بكِ.. أحمد
اخبروني بأنكم قادمون
الينا ومن الطبيعي جدا أن تحذر الام ابنتها في مثل هذا السن من القيام بأشياء كثيرة
قد تسيء لها.
انتِ اصبحتِ كبيرة بما
يكفي, عليك أن تتحملي مسئولية تصرفاتكِ القادمة, اسمعيني جيدا, عمكِ (أبو علي) قادم
إلى هنا وانتِ تعلمين انه لم يعد يصح لكِ رؤية أحمد كالسابق فهو كأي شخص غريب عنكِ
لأنه ليس من محارمكِ.
أمي, كيف لي أن ارتدي
الحجاب امام من تربيت معه كيف ذلك؟ لا استطيع! أمي أنا مشتاقه لكل شيء مضى, نحن تعاهدنا
بأن يعود وان نكمل ما مضى سنكمل حياتنا معا, أمي أحمد ليس مجرد جار أحمد كان اقرب الي
من اخواتي لا استطيع استيعاب ما تقولين لا استطيع فعل هذا ابدا.
حبيبتي, أنا اعلم بكل
ما ذكرتي الآن ولكن نحن اسرة محافظه تلتزم بجميع تعاليم دينها الحنيف, والحجاب فرض
علينا كما فرضت الصلاة.
امام الاجانب فقط أحمد
ليس اجنبي عني.
أحمد ابن جاركِ ليس محرمكِ
وكما تفعل اماني وهي اكبر منكِ لابد لكِ من فعله.
ارتدي حجابي امام أحمد!
نعم, ولن اسمح لكِ بغير
هذا.
حسنا.
لم استطع أن افعل ما
امرتني به أمي لم استطع الخضوع لرغبتها والانصياع لأمرها ليس من باب العقوق لأمي
أو السخط على فرض الله ولكنني لا استطيع استيعاب أن تكون معي في مكان واحد دون أن
اراك, لم نصبر عامين ونحن ننتظر هذا اليوم بفارغ الصبر لكي اتنازل عن رؤيتك ببرود.
حين خلد الجميع إلى
النوم وتأكدت أن كل شيء على ما يرام, خرجت إلى الكهف على اطراف اصابعي وحين وصلت
سمعت صرختك.
امنيتي!
أحمد!
لا اصدق انني اراكِ
امامي.
لا تصرخ هل جننت! تود
أن تخبر الجميع؟ سيقتلونني لو علموا اني هنا.
لن اسمح لهم.
عم الصمت المكان
بقينا ننظر إلى بعضنا البعض, وكأننا نعوض كل لحظة مرت ونحن متغربان, نعم كنا
متغربان ولكن لم تكن غربة وطن أو اهل بل غربة المشاعر وهي اشد انواع الغربة ألماً
وعذاباً.
تغيرت كثيراً يا أحمد.
وانتِ, اصبحتِ اجمل بكثير.
لا تجاملني ارجوك! حسنا
اتيت فقط لرؤيتك توقعت بأن تكون هنا, والآن
عليّ الذهاب قبل أن يشعر احدهم بغيابي.
ستذهبين؟
نعم تأخرت كثيراً,
إلى اللقاء.
ومتى سيكون.
لا تهتم قريباً, خُذ هذه.
ما هذه؟
خذها لا تخف.
وعدت إلى الداخل وكأن
جزء مني بقى معك ولم يرافقني, أتراه قلبي قد سرقته مني! أم انه كامل كياني؟ اظن
ذلك فأنا عدت جسداً بلا روح.
إلى: امنيتي.
كنتِ جميلة حقاً لم أكن اجاملكِ
على الاطلاق, لن تفارق تلك الصورة خيالي بتاتا وإن عشت ألف قرن من الزمان, كانت الورقة
التي وضعتها بيدي تحمل رقم هاتف منزلكم كتبتي لي بأنكِ تنتظرين اتصالي, فتحتها وكنت
احاول حفظ الارقام رغم انني لم انساها بتاتا, كنت انظر اليها وكأنني انظر اليكِ انتِ
انظر إلى الخط وامعن النظر بالألوان وطريقة كتابة الارقام, عشت قصة غرامية مع تلك
الورقة وبقيت في محفظة نقودي حتى يومكِ هذا, في كل لحظة اراها اشعر انها أول مره.
اكتفي بكِ, أحمد.
عدت إلى المنزل واخذت
الهاتف إلى غرفتي وانتظرت اتصالك على احر من الجمر, هل تأخرت كثيراً يومها باتصالك
أم أن الوقت في انتظارك كان يمضي ببطء.
اتصال..
اخيرا اتصلت.
كنتِ تنتظرين اتصالاً
ما؟
اوه هذه انتِ؟ نعم ماذا
تريدين؟
لا شيء فقط احببت أن اسمع
صوتكِ قبل أن أنام.
حسناً سمعتيه, تصبحين
على خير.
بهذه السرعة! ما بكِ؟
لا شيء.
حقا!
كلا, أحمد هنا! كنت
انتظر اتصاله.
هل جننتي؟ ماذا
تقولين! اعلم بقدومه ولكن كيف سيتصل بك.
اوصلت له الرقم وطلبت
منه أن يتصل بيّ.
كانت جِنان صديقتي المقربة منذ رحيلك, تعرف كل
تفاصيل حياتي معك عامين مضت وأنا احكي لها عنّا في كل يوم وكل مره أراها أو اجلس
معها, اخبرتها كم احببتك وكم اشتقت اليك اخبرتها بكل ما مضى ونحن معاً.
لم اطل محادثتي مع جِنان
خوف أن تتصل فلا تجدني, ولكن أذن الفجر وذهب أبي إلى المسجد واستيقظن جميع اخواتي
وكذلك أمي ولم تتصل, أتوقع بأنه كان أول يوم خذلتني به, ليتك لم تفعل.
اعدت الهاتف إلى
مكانه قبل أن يشعر احد بشيء, لأن ادخال الهاتف إلى غرفة النوم امر مرفوض في بيتنا
وخاصتا إذا بدر هذا التصرف من فتاه, ولكن لم انجح بهذا فقد قبض عليّ أبي متلبسة
بالجرم المشهود.
امنيه.
أبي!
نعم, ماذا يفعل
الهاتف بيدك؟
لا شيء كنت فقط اضعه
في مكانه.
واين كان قبل أن يكون
في مكانه؟ لقد وضعته البارحة بنفسي, اين دهب في الليل.
أبي.
امنيه, انتِ لم تعودي
صغيره.
اعلم بكل ما سوف
تقوله وايضا انك قمت بتربية سبع فتيات وأنني الوحيدة التي تكسر قواعد هذا البيت,
وماذا بعد!
لماذا تفعلين هذا؟
لم افعل أي شيء فقط
كن واثقا بيّ اعدك أن لا تندم.
حسناً, أنا اثق بكِ
ولكن لا اثق بهم, لا اعلم مع من تكونين عندما تخرجين من هذا الباب لا اعلم مع من
تتحدثين في الليل, أنا اثق بكِ وبكِ انتِ فقط ولكن ماذا عنهم هم!
لا يهم دعك من الجميع
أنا هنا.
اخشى أن يمسكِ أي
مكروه.
لن يمسني أي شيء اعدك
أبي.
لا اعلم هل وفيت بما وعدتك به يا أبي ام لم
استطع الوفاء به.
كنت معتادة في كل
ليلة على أن اتسلل إلى غرفة الجلوس لأخذ الهاتف إلى غرفتي بعد أن يخلد الجميع إلى
النوم, لنبقى سويا حتى الصباح.
في كل يوم تتجدد
لهفتنا لسماع اصوات بعضنا وكأنها المرة الاولى في كل يوم.
أول صباح واجمل صباح وسيبقى
هكذا إلى الابد.
هل تسمعين صوت الأذان
لقد طلع الفجر.
يا الهي لم انتبه إلى
الوقت.
ما بكِ؟
الهاتف بقي معي الآن
سيخرج أبي ولن يراه.
ما الامر لم افهم
ماذا في ذلك؟
بقاء الهاتف في غرفة
النوم امر مرفوض لدى عائلتي, بالأمس انتظرتك إلى هذا الوقت وعندما اعدته إلى مكانه
رآني أبي واسدل عليّ لائحة من النصائح واخشى اليوم أن ينتقل بي الامر إلى لائحة العقوبات.
حاولي التخفي وكرري
هذا الدعاء (اللهم اجعل من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا)
حسنا سأفعل.
كيف اطمئن عليك.
لا اعلم.
سوف أتي إلى نافذتكِ
عند خروجي من المسجد مباشرة, سأخرج باكرا كوني بانتظاري.
حسنا أنا بانتظارك.
وبالفعل بعد انتهاء
الصلاة مباشرة كنت تقف أمام نافذة غرفتي.
تبادلنا النظرات وبعض
قصاصات الورق ثم رحلت.
ولكنك لم تبقى في مكة
كثيراً, ما إن تأقلمنا على اللقاء إلا حان الوداع ثانيتاً, وتفتقت ذات الجراح.
اعدنا الكرة مرة اخرى
وكأن الزمان يقوم بتكرار نفسه ثانيتاً, سمعت برحيلكم وشاهدتك انت واخوتك تحملون
الأمتعة إلى السيارة, شعرت وكأن بركاناً من الغضب يثور بداخلي, لم استطع كبح مشاعري
أو اخفاء توتري, اطرافي ترتعش وعيناي غرقا بالدموع وصوتي المبحوح جميعها تفضح ما
بداخلي من الألم والحزن, خرجت مسرعة إلى كهفنا المعهود, جلست على الارض وضممت
قدماي إلى صدري واحطتهم بذراعيّ, اسندت رأسي على ركبتيّ فانهمرت دموعي كسيل جارف,
كنت اتأوه ألماً بتناهيد تشق صدري بعنف شديد, وما لبثت إلى وسمعت طرقات قدماك
ايقنت حينها بأنها حانت ساعة الفراق.
توقعت أن اجدكِ هنا.
ستذهب مجدداً وتدعني
يا أحمد؟
لا اعلم كيف اهون
عليكِ وطأة الموقف ولكن هذا هو القدر شئنا ام ابينا.
اعلم بأن هذه اللحظة
آتية لا محاله, ولا يمكننا انكارها أو تغيير قدرنا.
كوني بخير, واعتني
بنفسكِ جيداً, لن اتغيب عنك كثيراً هذه المرة.
لا تعدني بشيء, اخشى
أن لا تستطيع الوفاء به.
سأتحدث معك كل ليلة
وكأننا هنا.
مكالماتنا من الرياض
إلى هنا مدونة وتكاليفها باهظه.
لا يهم ما يهمني حقاً
هو أن تكوني على ما يرام, لا اريد أن ارى هذه الدموع مجدداً, ارجوكِ.
مسحت دموعي بأصابعي
وابتلعت ريقي بصعوبة وكأن شيئاً ما يخنقني.
متى ستعودون إلى هنا؟
سأحاول المجيئ الشهر
المقبل.
سأكون بانتظارك إلى
أن تأتي مرة اخرى.
سمعنا احدهم ينادي
باسمك فانطلقت مسرعا خوف أن يعلم احداً بوجودك معي, وكانت تلك نهاية لقائنا.
كما توقعت لم تعد إلا
بعد عام ولم نتمكن من إجراء اتصالاتنا كل يوم كما اعتدنا بل قد تمر الاسابيع دون
أن نسمع أصوت بعض.
مرت خمسة اعوام وفي
كل عام تزداد لهفتنا إلى رؤية بعضنا أكثر وأكثر, كل عام تنضج مشاعرنا وترجح عقولنا
ويزداد عشقنا وتعلقنا لبعض.
في ذات اليوم قررت أن
تفاتحني بأمر لم يسبق لنا الحديث فيه إلا قبل عشرة اعوام.
في كهفنا كعادتنا
الساعة الثالثة ليلاً, ألحيّت تلك الليلة على أن اقابلك شخصيا لأنك ستتحدث معي في
امر ضروري لا يمكنك قوله في الهاتف.
ما الامر أحمد؟ لقد
قتلني الفضول!
انتِ هكذا دائما
فضولية لا شيء جديد.
لن أشاجرك هذه المرة
حتى لا تجد لك مهربا من الحديث.
حسنا, لن اتكلف
كثيراً في المقدمات كنت اود فقط أن اخبركِ بأنني سأتقدم لخِطبتكِ من عمي غداً.
ماذا؟!
سأتقدم غدا لخِطبتكِ
من عمي.
صُعقت حينها لم أتوقع
منك أن تفاتحني بهذا الأمر بتاتاً رغم انه كان أمر بديهياً, خرجت مسرعة على الفور
دون أن اتفوه بكلمة واحده, اعلم بأنك ظننت أن ما اصابني كان خجلاً من حديثك بينما
كان الأمر مختلف للغاية.
في اليوم التالي حدث
ما قلت لي, اخبرتني أمي بأنكم تقدمتم لخِطبتي من أبي.
لا تعلم يا أحمد ماذا
اثرت بداخلي في تلك الليلة, لقد احدثت بركاناً لكياني زلزلت به مخاوف كثيرة حاولت
أن اتجاهلها وادفنها لسنوات طويله.
لا يؤمن قلبي بالحب ابداً
أعتبره غالبا دُعابة أو اكذوبة لا اصدقه ولا اسمح لنفسي بأن اعيش ذلك الجو الكئيب المفعم
بالمشاعر والاحاسيس الباليه, سئمت سماع أهاتير القصص الباهتة, احببته واحبني وماذا
بعد؟ ألآم وجروح وخيانات وفراق ونصيب لا يصيب واقدار تأخذهم إلى بعيد, لماذا نأسر أنفسنا
ونحن احرار؟ لماذا نجرح أنفسنا ونعذب افئدتنا ونحن اصحاء؟ لماذا نعلق أنفسنا بأحلام
وآمال واهيه ونحن نملك الكثير, لماذا كل هذا؟
هذه قناعتي في الحب, وهكذا
كنت أتساءل في مخيلتي, لم اتصور يوماً أن أحب أو اعشق لا اعلم لماذا؟
حتى علاقتي بك لم اتخيلها
كـ علاقة حب أو عشق لسنا عاشقين يا أحمد ولكن الظروف هي من حكمة بأن نتصرف هكذا!
لا انكر اشتياقي اليك,
لا انكر بأنني سعيدتا جداً لكونك هنا, لا انكر رغبتي برؤيتك دائماً بقربي ومعي, ولكن
الامر مختلف جدا.
أنا اسفه يا أحمد لا
استطيع تلبية طلبك.
عارض الجميع قرار
رفضي لك ابتداءًا بأمي ومروراً بأخواتي أما أبي فكان موقفه مختلف للغاية, الجميع
حاولوا اقناعي بشتى الاساليب والوسائل أما هو فلا, لم اجب احداهن بكلمة واحدة كنت
استمع لهن بصمت لا تعابير تدل على ما أفكر فيه ولا احرف تستطيع أن تصف لهن ما يجول
بداخلي, مر يوم كامل لم يتبقى احداٌ منهن إلا وقد زارت غرفتي وعبرت لي عن مدى
اسفها لرفضي وعن رغبتها في موافقتي, اختلفت الاساليب ولكن الهدف اتحد وكذلك ردة
فعلي دائماً كانت هي الصمت, إلى أن اتى أبي وكان ذلك مسك الختام.
أبي: بنيتي لا اعلم
ماذا يجول بخاطركِ ولا اعلم كيف يمكنني أن اصل اليه, ولكن كل ما يهمني هو اقتناعكِ
بقرارٍ اتخذته ولم تسمحي لأحدٍ بأن يتدخل فيه, لن اجبركِ على شيء وليس من حقي أن
افعل ذلك كما أنه لم يسبق لي مع احدى اخواتك أن اجبرهم خاصتاً في امر الزواج, هذه
حياتكِ أنتِ وعليك القرار فيما يختص بها, لستِ مجبرة على الموافقة ولن اسمح لإحداهن
في التدخل بهذا القرار. فكري جيداً وما أن تصلي لقرار اخبريني وسأكون بانتظاركِ,
إن اردتِ الاستشارة فأنا موجود.
انهمرت دموعي بشده
واجهشت بالبكاء لا اعلم لماذا شعرت وكأن روحي تنتزع من جسدي بمنتهى البشاعة
والقسوة, ألم شديد يستوطن شق صدري الايسر, وكأنني في وسط دوامة عظيمه لا أعلم ماذا
اريد ولا إلى اين سأذهب أو اصل ما اعلم به فقط هو أنني لا اريد أن اتزوج الآن
وخاصتاً منك انت.
إلى: امنيتي.
عاهدتكِ من قبل بأن تكوني
ليّ وبأني لن أسمح لأحدٍ بأن يأخذكِ مني أو يحرمني من حقي بكِ.
أنا احبكِ كثيراً وأكثر
من كل شيء, حبي لكِ يفوق مدارك عقول البشر جميعاً, احبكِ واعلم بصدق مشاعركِ ولكن اخشى
كثيراً أن لا استطيع امتلاك قلبكِ الذي امتلك كامل كياني.
لا أعلم ما الامر
وماذا حدث لكِ لماذا رفضتي طلبي؟ لماذا لم تخبريني ليلة حديثي معكِ قبل أن
تغادريني؟ لا اعلم حقاً ماذا جرى ولكنني اثق بكِ.
اكتفي بكِ. أحمد.
عزيزي أحمد.
أنا مختلفة كثيرا عما
تظن بي, لستُ كباقي الفتيات اللواتي بعمري لا احلم بفستان ابيض ولا بفارس شهم
ووسيم وطرحة طويله وزفة في قصر افراح فاخر وجمع غفير من الاقارب والاصدقاء, لا احلم
بهذا ابدا ولا اريد أن اعيش هذا اليوم بتاتا, يزعجني أي شيء يذكرني بموضوع الزواج,
أو دعوة احداهن لي بالزوج الصالح, اخشى كثيراً أن اصبح مثل أمي ويكون ذلك الشريك اشبه
بأبي اخشى أن تكون حياتنا كحياتهم, اخشى كل شيء يهدد سعادتي مع ذلك الشريك الذي لم
اتخيل للحظة أن يكون انت.
أحمد نحن نعيش قصص جميله
لا اريد أن تتشوه يوماً ما بروابط واهيه ومبادئ ساذجة لا اريد أن اخسر سعادتي التي
اشعر بها عندما اسمع اسمك أو صوتك لا اريد أن اخسرك بهذا الوهم المسمى بالحب
والزواج.
امنيتك.
...
ليتك قرأت احرفي هذه
يا أحمد ليتني اوصلتها اليك, ولكنني خفت نعم اعترف لك أنا جبانه للغاية امام
مخاوفي ويسكنني رهبة كبيره بما يختص بمستقبل حياتي, لم استطع أن ابعث بالرسالة
اليك لم اجيبك ابدا حتى على الهاتف, اردت الهروب بعيدا عن كل شيء قد يهدد مستقبلي
وسعادتي وكأنني رأيت ذلك كله فقط بالارتباط بك, سامحني يا أحمد كنت طفلة لم انضج
في ذلك الحين بعد, كنت اعيش ضغوط أسرة احلامي واسكنتني في زنزانة كبيرة اسمها
الخوف, اعتادت اذناي سماع صراخ أبي وهو يزجرنا جميعا لأسباب تافهة للغاية, في بعض
الاحيان اتعجب من حاله وأتساءل ألا يمل من هذا؟ في كل يوم وكل وقت وكل مكان صراخ
وشجار وتوبيخ وقد يصل به الامر إلى الضرب وانواع اخرى من التعذيب, لن تشعر بحجم
الألم الذي اعيشه عندما ارى أبي يضرب أمي ويوبخها بكلام جارح امامنا هنا يكمن معنى
الألم هنا أتمنى أن اموت الف مره! أتمنى لو استطيع تغيير أي شيء مثلا أن اقف بوجه أبي
واقول له بالفم الملان عن كل ما يزعجني وكل ما اود تغييره به هو اولا, أتمنى لو
استطيع فعل اشياء كثيرة ولكن ليس بوسعي شيء, اصمت لان الحديث لن يغير من الامر
مثقال الذرة بل قد يزيده سوء.
تسكنني رغبة كبيرة في
الصمت عندما اشعر بالألم أو الهم لا املك القدرة على الحديث لأي كائن كان, ليس
الامر بيدي ولكنني اختنق بأحرفي قبل أن انطقها اعتدت على العيش هكذا منذ أن رحلت
لأول مرة عني وحتى الآن, واما اليوم فلا استطيع تغيير ذاتي حتى من اجلك انت يا أحمد,
المعذرة ما تطلبه شاق للغاية لا أريد أن أخوض تجربة بت اشاهد نتائجها على وجه أمي
وفي اعين اخواتي لم ارى احداهن مرتاحة أو سعيدتاً في حياتها, ماذا سيتغير في امري
ماذا عساي أن افعل من معجزات تغير هذا الديدن الذي اعتدنا عليه, اصبحت تعاسة
الازواج عادات وتقاليد في عائلتنا هل يعقل أن اغير مجرى الحياة بمفردي اغير قدر
هذه العائلة بأكملها, لا اظن هذا ولا اجزم لك بأنني سوف اعزف عن الزواج مطلقا ولكن
يبقى هذا الخيار ارحم بكثير من أن اشعر بالتعاسة بقربك لأني لا استطيع تحمل ذلك
بتاتاً.
امنيتي.
عنيدة انتِ كما عهدتك
ولن تتغيري ابدا, جميلة بإطلالتكِ ساحرة بغروركٍ جذابة بأسلوبكِ المتعجرف متسلطة
بقراراتكِ ولا تسمحين بأي تجاوز كان ولكنكِ غامضة حد الجنون لا أعلم كيف اصل لما
بداخلكِ اشعر احيانا وكأنني اركض خلف سراب لا اعلم هل سأجني شيء منه ام سأبقى أركض
واركض حتى ألهث تعبا دون جدوا, حلمي الكبير يبدو لكي شيء مستحيل, امنيتي انتِ
ولكنكِ رفضتي أي رابط يجعلكِ ملكا ليّ لا اعلم كيف اقترب منكِ لا اعلم كيف اصل
اليكِ لا اعلم كيف أحققكِ امنيتي.
آمل أن اجد منك جواب
هذه المرة قبل أن ارحل مكبلا بتساؤلات لا امتلك لها أي جواب.
اكتفي بك. أحمد.
الفصل الثاني
(اكتفي بك)
رحلت من مكة دون أن
أروي عطش تساؤلاتك لأني لم أكن امتلك جواباً لها, مر عام تِلو عام تِلو عام وفي كل عام تأتي عائلتك وابحث عنك بين
اخوتك واهلك في كل مكان أتوقع مجيئك واهيئ نفسي لاستقبالك ولكن دون جدوى, لقد
امتنعت عن المجيئ وكأنك تعاقبني بهجرك وابتعادك, ولم تعلم أنك اتحت الفرصة لغيرك بأن
يقترب مني! في كل عام يتقدم لخِطبتي مره أو مرتين, فعل كل ما بوسعه لكي اقبل به
وفي كل مرة ارفض ولا اعلم لماذا؟
هذه المرة الألف التي
يتقدم لكِ فيها اخبريني لماذا ترفضين؟
لا اريد الزواج, لا
اريده ولا اريد سواه, هل يصعب فهم هذا؟
لماذا؟ اعطيني سبباً
واحداً فقط يقنعني لامتنع عن الحديث معك في هذا الامر بعد اليوم, جميع اخواتك
تزوجن وهن اصغر منكِ بكثير لماذا ترفضين الزواج وانتِ بهذا العمر؟
عمري 23 عام لم ابلغ
سن اليأس حتى تتحدثي معي هكذا, ثم إني لم اعد طفلة لا تعلم ماذا تريد اصبحت أكثر
نضجاً واستطيع تحديد شريك حياتي.
حسناً كما تريدين.
عمر, لم يكَل أو يمَل
من محاولاته في الاقتراب مني رغم رفضي الدائم له, ثلاثة اعوام مضت, في البداية كنت
اعتذر بأمر الدراسة أما الآن فقد انهيت دراستي وصدر قرار تعييني (معلمة) ولم يعد
لدي أي أعذار تؤخذ بعين الاعتبار.
كفى يا أحمد كفاك
غياب كفاك عتاب كفاك هجر وقسوة, لم اعد احتمل البُعد أكثر فهلّا عدت مجددا؟ هلّا
عدت لكي نعوض ما مضى؟ لنعيش بأرواح مختلفة شاخت في هجرك كل عام قرن, لم اعد احتمل.
سمعت طرقات على باب
الغرفة علمت بأنها هي.
تفضلي جِنان.
كيف علمتِ أني أنا؟
في كل مرة تغضب أمي وتتصل
بكِ لكي تحاولي اقناعي, لا شيء جديد.
تقدمت اليّ بخطوات سريعة
فاحتضنتها بشده واجهشت بالبكاء على كتفها.
ما بكِ يا فتاة؟
لم اعد احتمل أكثر,
خارقت قواي.
ماذا عسانا أن نفعل,
هل ستنتظرينه العمر بأكمله؟
على الأقل لا اريد الزواج بغيره.
عمر أليس كذلك؟
وهل هناك غيره؟
لماذا لا تصارحيه
بالأمر؟
هل جننتِ! عمر يعلم
منذ دهر بعيد, وهذا ما جعله يُصر أكثر في كل عام, غياب أحمد ورفضي السابق له جميعها
ارهاصات ايجابية بالنسبة اليه تضخ الأمل إلى قلبه.
إذا هو يحبكِ؟
اعتقد ذلك مع الاسف.
يا إلهي!
ماذا افعل يا جِنان؟
لا اعلم, صُعقت لما
سمعت لم اكن أتوقع هذا.
لطفك يا الله.
إن قلت لك أني لم أفقد الأمل بعودتك سأخدعك؛
لأني فقدت الأمل بكل شيء يجمعنا, حتى أني لم ادخل كهفنا منذ رحلت, خشيت أن اضعف
وانهار, ولكن في ذلك اليوم قررت أن اهزم الخوف والضعف والألم قررت أن ادخله لأضع
حداً صارما لكل ما بداخلي وكان كذلك.
ذهبت إلى كهفنا في نفس الموعد الذي اعتدنا أن نتقابل فيه,
الساعة 3:15 ليلاً بعد أن يخلد الجميع إلى النوم والراحة تبدأ حينها رحلتنا بعيدا
عن اعينهم.
دخلت بخفية على اطراف
قدماي بحذر شديد وخوف اشد, كان المكان حالك الظلمة وموحشاَ لأبعد الحدود, اضأت
مصباحي واخذت اتأمل زوايا الكهف, نقوشنا على حيطانه وعهودنا بأن نبقى سويا مهما
واجهنا من صعاب, عهدنا بأن لا يفرق بيننا بشر كان أو جان, امور كثيره عادتني
اعواماً مديدة إلى الوراء واحيت بداخلي شعور بالندم والخذلان, اعترف بأني خذلتك يا
أحمد ولكن لابد أن تسامحني الآن وقبل فوات الأوان, ابتعادك لن يزيد علاقتنا إلا
تحطماً وانحدار, ارجوك عُد الي مجددنا وسأكون لك كما تحب.
ومن يومها كتبت لك
كثيراً اعتذرت منك وترجيتك وتوسلت اليك, تمنيت أن استطيع استعادتك ولو بباهظ
الاثمان, اعتدت أن اخرج كل يوم إلى كهفنا واكتب لك واضع الرسائل في نفس المكان الذي
اعتدنا أن نتبادل رسائلنا به, صخرة متوسطة الحجم تخفي تحتها حفرة صغيره نضع بها
رسائلنا؛ حتى لو دخل احد إلى الكهف لا يراها ولا يكتشف امرنا رغم أنه لا احد
يدخله.
ظهرت تكنولوجيا جديدة
(الجوال) المتنقل, احدث ضجة عالميه حينها وكانت ثورة التميز فلم يكن في بداية
الامر منتشراً ومتوفراً بأيدي الجميع بل كان حكراً لأصحاب الاموال والمناصب
الكبيرة أما الغالبية الكبرى فلم تكن تملك قيمته الباهظة كما أنه لا يعد ضرورة من
ضروريات حياتهم, ما كان الاكثر انتشاراً هو (البيجر) فلم يتبقى رجل إلا ولديه
واحداً يخبره ما إن يطلبه احدهم وهم خارج المنزل وحينما يعود إلى المنزل يقوم
بالاتصال عليه بواسطه الهاتف الثابت.
قادتني الصدفة إلى
باب غرفة الجلوس حيث كان أبي يجري اتصالاً هاتفياً مع أباك, سمعته يقول
ماذا؟ تريد مني
اقتناء هاتف نقال! لا يا رجل هذا ليس لنا.
اكملت التنصت بصمت.
سامحك الله يا أحمد, لماذا فعل هذا؟ هذه هدية
ثمينة للغاية لا يمكنني قبولها.
أحمد! لابد وأنه
اشترى لأبي جوال, اقبله يا أبي ارجوك اريد شيئاً منه.
مبارك مبارك ما شاء
الله, اسأل الله أن ينفع به ويبارك له في رزقة, والله إني فخوراً به وكيف لا وهو
ابني الذي لم آتي به من صلبي.
على ماذا يبارك له؟
لطفك يا الله! اخشى أن يكون قد تقدم لخِطبت احدى فتيات الرياض! ولما لا؟ طالما
سمعنا عنهن الكثير متحررات, جميلات... الخ, آه عسى أن يكون خيراً.
اصابني القلق والتوتر واصبحت أفكر فيما إن كان الامر
حقيقة أو لا, كاد قلبي أن يطير لا يعقل هذا لا يمكنك الارتباط بغيري, ثم اعود
لمعاتبة نفسي بكل قسوة, واتسأل لما لا؟ أنا من رفضت دون مبررات, أنا من خذلك بكل
تعجرف وكبرياء, لما لا ترحل وتبحث عمن تستحق حبك وعشقك؟ هنا يجن جنوني لأعود
مجدداً واقول لا لا لا, لا يمكنك فعل هذا بي فأنا ايضاً احبك بجنون ومن حقي عليك
أن تهبني فرصة اخرى؛ لأقترب منك واكفر عن خذلاني لك.
فرصة اخيرة يا أحمد فقط فرصة واحده واعدك أن لا
اخذلك ثانيتاً مهما حدث, هلّي بها؟ إن كنت تبتعد عني لكي تعاقبني فأقسم لك أني ذقت
من الألم ما لا يخطر على بالك, عُد يا أحمد فلم يبقى لي قدرة على احتمال الفراق.
سمعت احدهم يطرق
الباب.
من بالباب؟
أنا يا ابنتي.
تفضل أبي.
بعد أن دخل وجلس
بقربي قالها بهدوء.
سيأتي الينا ضيف
الليلة.
ومن هو ضيفنا يا أبي؟
أحمد.
لم اصدق ما سمعت, هل
هذا حلم أم حقيقة؟ هل يعقل أن تعود حقاً؟ هذا اليوم الذي طالما تمنيت قدومه منذ
اعوام.
امنيه! فيما تفكرين؟
ألا تسمعينني؟
ماذا؟
كنت أقول ما رأيك أن نطلب
من أحمد البقاء عندنا هنا في الجناح الخاص بالضيوف بالجهة الخارجية؟ لأنه سيظل هنا
دائماً ومنزل اهله كبير جداً عليه وهو رجل بمفرده يحتاج إلى بعض الاهتمام.
ولماذا سيبقى هنا
دائماً؟
صدر قرار تعيينه هنا.
لا مشكلة لدي الجناح
بعيد عن معيشتنا لن أتضايق لوجوده.
حسناً, إذا اذهبي
وجهزي المكان له, سيصل اليوم في منتصف الليل تقريبا.
إن شاء الله.
فرحتي بك ليس لها
حدود, علمت الآن لماذا كان يبارك لك أبي في الهاتف, علمت بأن مهما طال غيابك ستعود
اليّ مجدداً, سنسكن في بيت واحد ونكون أقرب إلى بعضنا البعض, نحن لبعضنا ولن يحدث
غير ذلك.
خُلق لي امل يتخطى جميع العقبات فلا يمكن أن
يتسلل اليّ اليأس يوما فثقتي بربي تفوق كل شيء وقد قال ربي (أنا عند ظن عبدي بي)
وظني فيك يا ربي كبيرٌ فحقق يا إلهي حسن ظني.
قمت بتجهيز الجناح
كاملاً هيئته لك و وضعت لك قصاصة ورقية كتبت فيها.
(أهلا بك, سعِدت
بمجيئك كثيرا, عوداً حميداً.)
أنرت المكان بقدومك
اليه, فمرحبا بك في قلبي قبل منزلي.
كانت ليلة جميله شعرت
فيها بأن الحياة ابتسمت إلىّ من جديد بعد عبوس طويل, اصبحت مبتهجة تجهزت باكراً
واستعديت لأول دوام في المدرسة, كنت ادعو الله أن اراك ولو من بعيد, خرجت وعيناي
تراقب الطريق جميع الازقه المجاورة بل الشارع بأكمله, لم تكن تبعد المدرسة سوى
بضعة امتار عن منزلنا, لم اراك ابتعدت عن المنزل ودنوت من المدرسة بانكسار, يبدو
أني لن اراك ابداً.
دخلت المدرسة وقد
تلاشت عن وجهي الابتسامة واصبحت ذابلة بائسه, جلست على المكتب بمفردي وما لبحثت
إلا وقد وصلت جِنان.
اوه ما بكِ يا فتاه؟
سمعت أنه قد جاء إلى هنا ما الذي يزعجكِ ايضا؟
لم استطيع رؤيته, اصر
أبي أن يسكن معنا في بيتنا.
حسنا! وماذا عنكِ؟
ستتقاسمان المنزل!
لا مشكلة لدي سيكون
في جناح خاص لا علاقة لنا في بعض, كنت اود رؤيته فقط ولم اراه.
مؤكد سترينه لطالما
انه سيكون معكِ في البيت نفسه.
لا شيء مؤكد, لم اعد
احتمل, لم يسامحني بعد.
دعي عنكِ هذا الهراء
لدينا اجتماع في الإدارة بعد قليل.
هراء! ليته مجرد
هراء.
نعم انتِ تتوهمين
فقط, أحمد يحبك بجنون لن يقبل السكن في بيتك لو لم يسامحكِ.
ترين هذا؟
مقتنعة بكل حرف.
اراحني ما سمعته من
جِنان ولكن لا املك سوى الانتظار.
عدت باكراً إلى
المنزل قبل عودتك, طلبت مني أمي أن اقوم بإلقاء نظرة على جناحك إن كان يحتاج إلى
نظافة أو ترتيب.
ذهبت بتردد اجر قدماي
بصعوبة وكأن جسدي ازداد ثقلاً عليّ فلم اعد استطيع حمله إلا بشق الانفس, كنت
متوترة لأبعد الحدود كل شيء كان على وضعه الطبيعي فأنت انسان منظم لا تحبذ الفوضى
عكسي تماما فأنا فوضوية جداً حتى في مشاعري.
قررت الرحيل بعد أن
شعرت بالطمأنينة وأنا استنشق رائحة عطرك الذي لم يفارقني منذ رحلت ولكن رائحته
لديك مختلفة تأسرني مشاعر غريبة بل اشعر بالضياع, تذكرت القصاصة التي تركتها
البارحة وذهبت لأرى إن كنت قرأتها أو لا, وجدتها في نفس المكان وقد دونت عليها
الرد. (شكراً لحسن ضيافتكم.)
صُعقت حقاً! اسلوبك
كان جافاً للغاية, لماذا تقسوا عليّ هكذا؟ سامحك الله يا أحمد.
استبدلت القصاصة
بأخرى ودونت عليها (اشتقت اليك) ولكن سرعان ما تراجعت فكرت بأني أهين كرامتي بهذا
فأنت رسميّ للغاية معي, لماذا ابدي لك اللطف واللين مقابل ما تبديه ليّ من الجفاف
والغلظة؟ مزقت القصاصة ودونت على اخرى (العفو, هذا واجبنا) وخرجت بخفه مخافة أن
تعود وتجدني.
وما أن خرجت إلى صلاة العصر إلا اتيت مسرعة إلى
جناحك وبالتحديد إلى مكان القصاصة لأرى ماذا دونت لي.
ولكني وجدت هذه المرة
رسالة كامله.
إلى امنيتي.
لا اعلم ماذا أقول أو
على الاحرى ماذا اكتب لكِ, ما حدث ارهق تفكيري طيلة الايام والسنين الماضية, كلما
احتاجه اليوم هو أن اجد اجابة تشفي ظمأ تساؤلاتي السابقة التي لم تجيبي عليها
ثلاثة اعوام.
ماذا يعني لكِ أحمد؟
انتِ امنيتي فهلّا
سمحتي لي بأن احققكِ؟
اكتفي بكِ حتى الآن. أحمد.
...
إلى أحمد.
إن قلت لك أن سبب
صمتي الطويل هو أني لا املك الإجابة على تساؤلاتك فهل تصدقني؟ نعم اكتفيت بالصمت
عن الحديث لأني لا املك الاجابة ولكن صمتي يجعلني اخسرك كل يوم أكثر من سابقة, لا
اعلم لماذا حدث كل هذا ولكني متأكدة ألف مره بأني احبك واريدك بقربي وأن سعادتي لا
تكتمل إلا بوجودك معي, إن سألتني أحمد ماذا يعني لي؟ سأجيب أحمد يعني ليّ الحياة
لأني لم اشعر بها في غيابه.
اكتفي بك عمن سواك.
امنيتك تعشقك.
هذه أول مره اكتب
فيها صادق احساسي بلا تردد ولا خوف, لن أندم على هذه الرسالة ابداً مهما حدث؛ لأني
شعرت بكل كلمة وكل حرف واقتنعت بها قبل أن اكتبها.
سمعت الإمام يعلن
انتهاء الصلاة "السلام عليكم ورحمة الله, السلام عليكم ورحمة الله" خرجت
كعادتي بخفة وسرعة.
كنت انتظر وقت الصلاة دائماً؛ لأتسلل إلى غرفتك
واقرأ ما تكتبه لي واقوم بالإجابة عليه, كانت مغامرة بالنسبة لي, وذلك بسبب شدة
الرقابة علي من قِبل امي ولكن في كل مرة كانت تسألني عن سبب وجودي في غرفتك اخبرها
بأني اقوم بالتنظيف, غفر الله ذنبي في كل مرة كذبت عليهما في سبيل حبنا.
قررنا ذات يوم أن نتقابل
في كهفنا كالسابق, وفعلناها حقاً في نفس الوقت وبنفس الطريقة ونفس الشعور كلا كان
الشعور مختلف جداً وكأنها أول مرة اراك بها.
في الساعة 3:15 ليلاً
تأكدت من أن أمي وابي غارقان في سبات عميق وخرجت على اطراف قدماي بخفية حتى وصلت
إلى الكهف, كنت تنتظرني هناك امام الباب, آه كاد قلبي أن يطير فرحاً حين رأيتك, كل
ما بداخلي كان يتراقص على أعزوفة دقات قلبي المتسارعة, اطرافي ترتعش وكأنها قوالب
من الجليد تتسابق اليك, أما عيناي كانت غارقة بالنظر لكل جزء منك كنت احتاج إلى الارتواء
من عيناك, لن انسى نظراتك اليّ وابتسامتك التي اضاءت لي الطريق إلى قلبك النقي.
كانت وستظل اجمل لحظة
عشتها وحُبست في ذاكرتي, سرقنا الوقت دون أن نشعر بمضية, حتى سمعنا اذان الفجر.
يا الهي لقد تأخرت
كثيراً كيف لي أن اعود الآن.
مهلاً سأخرج اولاً,
وارى المكان.
وما أن خرجت حتى وجدت
أبي امامك مباشرتاً.
أحمد! ماذا تفعل
هناك؟
لا شيء مهم استيقظت
باكراً وفكرت في الذهاب إلى منزلنا قبل الأذان.
هل انت مرتاح لدي؟
إذا لم تكن كذلك فلا اريد اجبارك على شيء.
بلى عمي أنا مرتاح
بقربك بالتأكيد اقسم لك, انت في مكان والدي.
حماك الله يا بني,
هيا بنا قبل أن تقام الصلاة.
حسنا عمي ولكن لدي
بعض الحاجيات سأنقلها إلى بيتنا ومن ثم آتي لن اتأخر على الصلاة.
انتظرك.
دخلت عليّ وانت ترتعد
رعباً.
كاد أن يقضى علينا
سوياً.
ماذا حدث؟
وجدت اباكِ ذاهباً
إلى المسجد, لا يهم الآن انتِ متأكدة أن اباكِ ليس بالمنزل تبقى لنا أمكِ فقط.
لطفك يا رب.
اريد الاطمئنان كيف
لي ذلك.
لا تهتم سأطمئنك.
عدت إلى المنزل ولم
تراني أمي وذهبت إلى جناحك حيث كنت تنتظرني ما إن رأيتني إلا وانطلقت إلى المسجد
حتى يجدك أبي عندما يفرغ من الصلاة.
كانت مغامرة كبيرة
ولكنها انتهت بالنصر المؤزر.
ذهبت إلى المدرسة
والابتسامة لا تكاد تفارقني, لقد شعر الجميع بأنه قد حدث معي شيئاً ما, فسعادتي
كانت تظهر من عيناي وابتسامتي, استطيع أن أقول ملامحي تفضح امري دائما.
ما خطبكِ؟ من يراكِ
اليوم لا يصدق أنكِ انتِ التي كانت هنا منذ يومين.
عُدنا.
ماذا؟
عُدنا كما كنا وأكثر
بكثير.
تحدثتِ اليه؟
كلا, رأيته وجلست معه
ايضاً, آه يا جنان كان كالحلم لو أني نمت البارحة لما كنت سأصدق بأنه حقيقة.
هل جننتي؟ كيف فعلتي
هذا؟
واخبرتها كعادتي عن
كل ما حدث, كانت متذبذبة في النصح لي, فتارة تحذرني وتارة اخرى اشعر بأنها فَرِحه
لفرحي, اعلم بأنها تخشى علي أكثر من نفسي ولكن لا طاعة لمخلوق في معصية قلبي.
ما اجمل الحياة بقرب
من نحب, في لحظة واحدة فقط ننسى كل شيء الألم التعب فقط بنظرة واحده أو ابتسامة
صادقة أو كلمة تُبرء كل ما تصادفه من جروح.
اصبح حلمنا الوحيد هو
أن نتزوج ونقترب أكثر من بعضنا ونزيل هذا الرعب المرافق لكل مرة نغامر فيها لرؤية
بعضنا, اجد سعادة رغم كل الصعاب واستمتع بكل لحظة اقضيها في سبيل عشقنا.
اتذكر أنك كنت تقرأ
كثيراً لنزار قباني واجمل ابيات تحبها من قصيدته الشهيرة
فإذا
وقفت أمام حسنك صامتاً
|
فالصمتُ
في حَرَم الجمال جمالُ
|
كَلِماتُنا
في الحُبِّ .. تقتلُ حُبَّنَا
|
إن
الحروف تموت حين تقال..
|
الحب
ليس روايةً شرقيةً
|
بختامها
يتزوَّجُ الأبطالُ
|
لكنه
الإبحار دون سفينةٍ
|
وشعورنا
ان الوصول محال
|
هُوَ
أن تَظَلَّ على الأصابع رِعْشَةٌ
|
وعلى
الشفاهْ المطبقات سُؤالُ ...
|
لا اخفيك سراً أن هذه
القصيدة قد تلاعبت كثيراً بمشاعري, تارة تبكيني وتارة تريحني وتارة اخرى اشعر
بمشاعر غريبة لا استطيع تفسير ما إن كنت سعيدتاً أم تعيسة.
اصبحت أفكر كثيراً, هل الزواج نهاية الحب؟ كنت
اخاف كثير من كون الزواج يقتل الحب كما اسمع من زميلاتي المعلمات, رهبت الزواج لا
زالت تغزوني بين فينة واخرى, ولكن رغبتي بقربك تنقذني من جميع الأوهام كما تطلق
عليها جِنان, اتخلص من جميع الافكار مباشرتاً عندما اتخيل انها من الممكن أن
تجعلني اخسرك يومًا ما.
ولكن حتى الآن لم
تفاتحني بأمر الزواج قطعاً, ما الذي يمنعك؟ فنحن اصبحنا أكثر اقتراباً من السابق
وحطمنا جميع الاسوار التي من الممكن ان تخيفك, لا يعقل أن افاتحك أنا بالأمر فمهما
تجاوزنا المجتمع بعاداته وتقاليده ومبادئه فهذا لا يعني أنه من الممكن ان ابدأ أنا
في الأمر واتقدم بطلبك لأن تخطبني.
هل تعجلت في التفكير
بهذا؟ يبدو ذلك فنحن لم نكمل العام منذ عودتنا سوياً, سأًصبر واصطبر حتى تفاتحني
انت بهذا.
لم يمضي الكثير
ليلتها سألتني عن امر لم تحدث لي من قبل عنه ذكرا, لقد سألتني عن عمر!
ما به عمر.
سمعت بأنه تقدم اليك.
صحيح, كثيراً.
حقاً!
نعم.
وانتِ؟
أنا!
نعم, هل تريدينه؟
اغتنمت الفرصة وجعلت
من الموقف ورقة رابحة لأثير غيرتك وغضبك, واجبت ببرود مصطنع.
هو ابن خالي واعلم
انه يحبني منذ زمن بعيد, وكل مرة اقوم برفضة ولكنه يعود ثانيتاً لخِطبتي دون ملل
أو يأس.
توقفي ارجوكِ, لم
اسألكِ عن هذا.
إذا عمّا تسأل؟
لو وافقتي بأن
تتزوجيه سأقتلكما سوياً ليلتها.
تغيرت ملامح وجهك
اختفت ابتسامتك واقطب جبينك, وغرقت أنا بالضحك عليك.
ما بك؟ هل تصدق أنه
بإمكاني الموافقة على ذلك!
ولما لا؟
فكرت بالانسحاب فوراً
لا اعلم لماذا, شعرت بأني احاول ايقاف نفسي عن الاستمرار في حديث قد لا تحمد
عقباه.
تأخر الوقت, سأذهب
لنوم.
لا تكرري هذا ثانيتاً,
حقاً اغضبتني كثيراً.
المعذرة, ولكن ماذا
تنتظر أنت؟ إذا كان أمر عمر يزعجك لهذا الحد فلماذا لا تتقدم أنت؟ أتنتظر مني أن
اتقدم اليك بطلب مسبق أم ماذا؟
مازال الوقت مبكراً.
ليس كذلك يا أحمد,
أمي اصبحت منزعجتاً جداً لأمري, في مجتمعنا لا يوجد فتاة تمكث في بيت اهلها إلى
هذا العمر وترفض كل من يتقدم لها دون سبب.
امنيتي, في السابق
كنت متسرع كثيراً وانقاد إلى مشاعري دون تريث وتفكير, اعلم انه حان الوقت ولكن
الزواج مسئولية كبيرة لابد ان نعد العدة لها.
إذا كنت متردد فخذ
وقتك في التفكير وما ان تحدد موقفك اخبرني بذلك, لن افرض نفسي أكثر عليك, إلى
اللقاء.
وخرجت غاضبة للغاية؛
لأني شعرت بأني اهنت نفسي كثيراً, تمنيت لو أني مت ألف موته قبل أن انطق بحرف واحد.
قررت بداخلي ان لا
اعود لمخاطبتك في هذا بتاتاً مهما حدث, لم اذهب إلى جناحك بعدها ولم اتفقد غرفتك
وحاجياتك ولم آتي اليك في آخر الليل لنسهر سوياً كعادتنا.
شعرت بالأسف الشديد
لكل ما فعلت لك شعرت بالندم لأني خالفت اوامر كثيره وضحيت بأمور أكثر, تخليت عن
حجابي تخليت عن عاداتي وتقاليدي تخليت عن مبادئي ضحيت بكل شيء فقط لأكون معك,
غامرت بحياتي من اجل لحظات اراك فيها ولو كُشف امري لانتهى عمري فوراً وجلبت لأهلي
العار امدا.
شعرت بأني احببتك
أكثر مما ينبغي وضحيت لأجلك أكثر مما تستحق, قررت ان أكون أكثر صرامتاً في امري,
سأفعل الكثير الآن لأسترد كرامتي سأصوب جميع اخطائي واغير من ذاتي, قررت ان اتخلى
عن مشاعري واعزل قلبي واحكِّم عقلي, لا اعلم ان كنت سأستطيع أو لا.
لم أؤمن بالحب يوماً
ولأجلك انت آمنت وضحيت وغامرت وسهرت لأجلك انت فقط هجرت كل شيء واقبلت اليك بكياني
وروحي وكل ما املك.
مر أسبوع كامل وانت
تحاول جذبي لك دون أي ايجاب مني, تلقي بقصاصات الورق في نافذة غرفتي وتقف لمراقبتي
وأنا في طريقي إلى المدرسة للذهاب أو العودة منها.
لم ابدي لك أي شيء
كنت في قمة الثبات امامك رغم أني احترق من الداخل, اخترت الصمت كعادتي لمعالجة
امري, اعلم انه خيارٌ صعب وقد يكون خاطئ في بعض الاوقات ولكني مؤمنة بأنه علاج
ناجح لكثير من المشاكل والخلافات.
بعد مرور أسبوع دخلت
عليّ أمي في غرفتي.
وعدتك من قبل أن لا
احدثكِ في هذا الامر بتاتاّ ولكن الامر قد يكون مختلفا هذه المرة.
ما الامر أمي؟
تقدم لخِطبتكِ من
جديد.
عمر؟
كلا, أحمد.
حقا!
ونحن كذلك لم نتوقع
ما حدث.
لماذا؟ لا شيء غريب,
دعيني أفكر في الامر اولاً.
حسناً خذي وقتك في
التفكير.
ادركت حينها أن ما
شعرت به حين تحدثنا آخر مره هو ذات الشعور الذي تملكني يوم خِطبتك لي أول مره,
رهبتنا من الارتباط رغم عشقنا المجنون لبعضنا, ترددنا عن تحمل مسئولية جديده لم
يسبق لنا تجربتها, خوفنا من خوض تجربة فاشلة تشبه تجارب من هم حولنا, امور كثيرة
تتزاحم في عقولنا وتشوش علينا تفكيرنا تغطش بصيرتنا لنتوه في عالمٍ لا نحسن
التعايش فيه لا نعلم ما قد يضرنا وما قد ينفعنا, خوفنا يبني حواجز واسوار تقف
حاجباً بيننا وبين احلامنا, وتحطيمها قد يكلفنا الكثير والكثير.
الامر ليس بهذا السوء
ولكن خوفنا هو من زاد الامر سوءًا, ويقال أن مواجهة المخاوف اسهل بكثير من التعايش
معاها والحذر من الوقوع فيها, قررنا بشجاعة أن نخوض تلك التجربة وأن نواجه كابوس
مرعب استوطن خيالنا ولابد أن نحمي واقعنا منه.
وافقت على الارتباط
بك, وقبلت شرطك الأول وهو أن تراني قبل عقد النكاح (نظرة شرعيه) الغرض الاساسي من
تشريع هذه النظرة هو بناء فكرة واضحه لشريك الحياة الذي سيقاسمك حياتك بأكملها,
ولكن الوضع لدينا يختلف قليلا لأنا لا نحتاج لبناء فكرة بل نحتاج لشيء أهم وهو
بناء أساس وثيق ومتين نستطيع من خلاله بناء حياة كامله تعتمد اعتماداً كاملاً
عليه, فهو الساق الذي ستقوم عليه حياتنا وهو الذي سينقذها من السقوط أو الضعف.
وفي النظرة الشرعية.
طلبت بأن تدخل انت
الغرفة وأنا اسبقك بالجلوس فيها, وهو كذلك.
دخلت مطأطئ الرأس
ونظرك يرتكز على الارض, وبكل هدوء وهيبة جلست مقابلي مباشرتاً وجلست أمي بجواري
وابي بجوارك.
هذه ابنتي امنيه,
انظر اليها يا أحمد وقل لي هل اعجبتك؟ وما رأيك انتِ ايضاً يا ابنتي هذا أحمد ابن
عمك ابا علي, اتى لخِطبتك ما رأيك في الأمر.
جزاك الله خيراً يا
عمي, لم اطلب رؤيتها لتعجبني أو لا, أنا اردت الحديث معها فقط.
ما خطبك يا بني؟
اريد أن أقول لها
امامكم جميعاً, اتيت اليوم لخِطبتكِ ولكِ حق القبول أو الرفض ولكن قبل أن تقرري,
اعدكِ واعاهدكِ واشهِدَكم على قولي واشهِدَ الله عليه أولا, إن قبلتي الزواج بي
اعاهدكِ بأن لا اظلمكِ يوماً معي ولا ارضى لكِ الذُل أو الإهانة عظيمة كانت ام
حقيرة, وأن أؤاثركِ على نفسي وأؤاثر سعادتكِ على سعادتي, اعاهدكِ بأن ابقى لكِ
الملاذ من بأس الحياة ومن كل ما تخافيه وتخشيه وأن أكون لكِ الراحة والاطمئنان,
اعاهدكِ بأن اخذ بيدكِ على الصواب واناصحكِ على الخطأ وابلغ جهدي لإبعادكِ عن
الحرام, وان رفضتي فستبقين اختاً غالية قاسمتني طفولتي وعاشت معي اياماً لن انساها
ما حييت.
هذا كل ما اردت قوله؟
نعم.
بقي الجواب يا ابنتي.
جاوبت لن أقول بجفاء
ولكن كان لابد لي من الغلظة في القول.
ان صدق فيما عاهد و
وعد فلن اجد لي خيراً منه, وان خالف عهده فبأسه على نفسه وحسابه على الله.
على بركة الله.
الفصل الثالث
(سَرابُ الحُب)
عُقد قراننا في تاريخ
ميلادنا ولكن بعد مرور 24 عام, في يوم الثلاثاء 13/5/1417هجرياً, كان ميلادٌ جديد
لعلاقتنا ميلادُ حياةٍ اخرى مختلفة تمام الاختلاف عن كل ما سبقها, وكأننا خلقنا من
جديد.
في ذلك اليوم تُوجت
أميرة لفارس أحلامي.
لا اصدق بأني اصبحت
زوجتك امام الجميع والآن اقاسمك حياتك بأكملها دون أن اضطر للتخفي أو خوض
المغامرات والمؤامرات على اهلي, سأبقى بجانبك ما حييت بإذن ربي.
امنيتك تحققت وها هي
ترتدي فستان زفافها والجميع فرحون بكما.
وأنا بجانبك على
(المنصة).
مبارك لك, امنيتك
تحققت.
ما زلتِ تتذكرين؟
نعم, وهل يُنسى جنونك
يا قيسي.
لا تشبهيني بقيس فأنا افضل منه بكثير.
حقاً!
قيس لم يظفر بليلى
أما أنا فظفرت بكِ.
معك حق في هذا, لابد
ان يضرب بقصتنا الأمثال ونُسقط تاريخ جميع العشاق.
حمداً لله.
احببتك وكأنك جزء مني
أشعر بك قبل أن تتألم اعلم ماذا تريد وكيف تريده ومتى, بهمسة مني اجعلك تهدئ عند
غضبك وبنظرة واحدة تبتسم عند حزنك, أعرفك
جيداً أكثر من أي شخص واحسن فهمك أكثر من أمك, اخشى عليك من كل شيء حتى من نفسي
اخشى أن يمسك مكروه وأحرم منك باقي عمري لذا دائما استودعك الله في سري وعلانيتي,
بل ادعوا الله بأن لا يأتي ذلك اليوم الذي افقدك به, فلا احتمل البعد عنك ابداً.
كان الجميع يغبطنا
على تفاهمنا واستقرار حياتنا اخوتك واخواتي وحتى ما تبقى من الاهل والجيران الجميع
يضرب بعلاقتنا الامثال, كُنا نفتخر بهذا كثيراً.
الوصول إلى الكمال
أمر محال جميعنا بشر يتخلل النقص شخصياتنا وحياتنا بجميع تفاصيلها, وكذلك نحن كان
ينقصنا روح بريئة نصفها مني والآخر منك, ملامح صغيرة تجمع بيني وبينك في جسد واحد,
تقاسمنا تفاصيلنا الصغيرة قبل الكبيرة, تحمل اسمك واسم عائلتك وتكف عني أذى ألسنة
العواذل من ذوي الأنفس الخبيثة.
عشرة أعوام مضت دون
أي جديد اليوم كالأمس والأمس كسابقه وماذا بعد؟ تسلل الملل إلينا لم نعد نكتفي
ببعضنا كالسابق وكأن حديثهم لامس شيء من واقعنا لم نلقي له بالاً من قبل.
فتحت معك الحديث بهذا
الامر ولكنك كعادتك انهيت الحوار بلا مبالاة بعذرك الدائم الذي اعتدت سماعه كل
يوم.
أحمد, اريد الذهاب
إلى المستشفى.
لماذا؟ ما بكِ
حبيبتي؟
لا شيء, انت تعلم
جيدا عن ماذا اتحدث, دعنا نجري فحوصات فقط لندرك على الأقل ما السبب في تأخر
الحمل.
امنيتي, لا يهمني هذا
ابداً ولا يعني لي شيء ما يتحدثون به النساء في اجتماعاتهن التافهة, لسنا بحاجة
إلى شيء أنا احببتك انتِ واريد العيش معكِ انتِ لا يهمني أي شيء عدا ذلك, امنيتي
لا اريد سواكِ كوني متأكدة.
حسناً, ولا حتى من
اجلي أنا! اريد أن اطمئن.
اطمئني نحن معاً, أنا
اكتفي بكِ وانتِ مكتفية بي ونحن سعداء هكذا ماذا بعد؟
عشرة اعوام يا أحمد
ألا تريد ان ترى طفل ان تشم رائحته؟ رأيت لهفتك على ابن سارة وعلي, وكل يوم أرى
عيناك تبرق عندما ترى طفلاً.
حاولي انهاء الحديث
من فضلك.
قررت أن اسافر إلى
عائلتي في جنوب المملكة العربية السعودية, فلم تعارضني ابداً.
حجزت تذاكر السفر
وقدمت على اجازة طارئة من المدرسة وسافرت.
وصلت إلى عائلتي
واخبرتهم بما في نفسي, أشارت الىّ احدى اخوتي بحسب ما لديها من خبرات إلى أن اذهب
معها إلى المستشفى واجري الفحص بمفردي حتى اشعر بالراحة مهما كانت النتيجة وتسكن نفسي لتلك الحقيقة.
وهذا ما حدث, اجريت
الفحص وانتظرت النتيجة على أحر من الجمر, وبعد عدة ايام ظهرت النتيجة لتطفئ كل
ظنوني البائسة, كانت النتيجة ايجابية ولا يوجد لدي أي موانع عن الحمل.
ولكن اختلف الامر بالنسبة
لعائلتي وهذا مالم يخطر ببالي منذ البداية, لقد اصبح الجميع يستثقل فكرة بقائي دون
ابناء رغم انه ليس لدي مانع صحي.
لم يؤثر ذلك بي
بتاتاً, فلا يُعقل ان اسمح لأي شيء بأن يهدد بقائنا سوياً أو يمس سعادتنا بسوء,
عُدت إلى منزلي وكأن شيء لم يكن, اكملت حياتي بهدوء ودُفن ذلك السر في منزل عائلتي
ولم يتفوه احدهم بكلمة واحدة مما حدث هناك بل عاهدوني بذلك.
وبعد مرور عدة اشهر
وصلني اتصال من احدى الصديقات المقربات اليّ, كانت تود اخباري بأمر ما, كلا لم تكن
تود اخباري كانت تريد الاطمئنان على حالي بعد ما حدث بالأمس وحين علمت بأني اجهل
ما حدث رفضت أن تبوح, ألحيت عليها بالسؤال بل هددتها بأن اغضب عليها حتى اهتزت
نبرات صوتي وحينها قالت لي بتردد.
أحمد و جِنان.
ما بهما؟
عُقد قِرانهما.
ماذا قلتِ؟ هذه
دُعابة جديدة, أليس كذلك!
ليتها كانت دُعابة.
لم اصدق ما سمعت أحمد
زوجي وحبيبي الذي اكتفيت بقربه عن كل شيء, وجِنان أختي التي لم تلدها أمي صديقة
العمر التي عاشرتها منذ طفولتي وحتى اليوم, هل يعقل هذا! جِنان هي الوحيدة التي
تعرف كل تفاصيل علاقتي بك حتى اليوم كانت معي بكل خطوة, كانت اقرب إلي حتى من
اخواتي, محال أن يحدث شيئا كهذا يبدو أني احلم بكابوس بشع ليتني اصحوا منه الآن
فلا استطيع احتمال كل هذا لا لا لا.
ولكنها لم تكن
الوحيدة, تعددت المصادر وسمعت اصناف السخريات, من تمثل تعاطفها معي ثم تظهر ما
يكمن بقلبها فور تمكنها من ذلك, ومن تحاول مواساتي.
مرت سبعة ايام ولم أتفوه أو تتفوه أنت بكلمة
واحدة عن هذا, لم استطيع الاحتمال أكثر اشعر بأنك تخدعني وأنا احاول تبرئتك من ذنب
اراك كل يوم تنغمس به أكثر وأكثر.
اتصلت بأبي وطلبت منه
المجيئ وجاءني على الفور.
سافرت معه هذه المرة
ولكن لم تكن كسابقاتها لقد كانت مختلفة جداً تمام الاختلاف, ودعت يومها كل اركان
منزلنا كل الذكريات كل شيء حتى أنت يا أحمد ودعت ملامح وجهك وعيناك وابتسامتك
ورائحة عطرك ونبرة صوتك ولمسة يداك ودعت كل شيء جميل وذهبت.
اخبرت عائلتي بما حدث
لي حين وصلت إلى الجنوب, فأشار اليّ أبي بالبقاء ريثما يعود اليّ أحمد ولم يعلم
بأنني ودعته قبل أن اغادر معه, أما اخواتي فقد جن جنونهم وكادوا أن يقطعوه إرباً
من شدة الغضب, سمعت كلمات منهن كأنت اقسى من وقع السيف على قلبي.
"من اكتفيتِ به لم يكفي
بك"......"ألم يجد سواها؟"....."كيف تبيع الأخوة بهذه
السهولة"......"وغيرها الكثير.
أرسلت اليك رسالة
نصية تضمنت (بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير) واغلقت هاتفي حتى لا
تتمكن من التواصل معي, حاولت كثيرا دون جدوى فقررت الذهاب لعلي ومخاطبة سارة أختي ولكن
كان الردع قاسيا عليك ولم تيأس ايضاً بل اتصلت بأبي وطلبت مقابلته فلم يرفض ذلك.
اقبلت إلينا مسرعا
تود تدارك الوقت والعمر والامر وكل شيء, اتيتنا بحجة عظيمة وتبرير خطير من وجهة
نظرك الضعيفة حسبت نفسك عندما فعلت ذلك ضمنت لي كامل حقوقي معك رغم انك بما فعلت
قتلت كل شيء جميل كان بيننا, اخبرت أبي يومها انك لم تنكِحها إلا من اجل الولد فقط!
وانك قد اشترطت في عقد النكِاح شرطا غير اعتيادي! وهو مهلة لزواجكما لمدة عام واحد
فقط وإن لم تنجب لك الولد ستسرحها في الحال, ولكن لم يؤثر بي ذلك الشرط بتاتا كما
ظننت وظنت هي ايضا, ما اثر بي هي خيانتكما لي واستغفالكم لمشاعري وعقلي وقلبي, كيف
استطعتما فعل كل هذا بي؟ قد اتقبلها من اشخاص اخرين ولكن ليس منكما انتم, كانت
صدمة حياتي لن استطيع النسيان مهما حاولت ذلك فما حدث اكبر من أن ينسى. كيف ظننت
انني سأرضى بمثل ذلك الشرط الذي اعجز عن وصف حقارته.
طلبت مقابلتي ولكن لم
أوافقك الرأي رفضت بشده دون أي مبررات, لم أود رؤيتك تلك الفترة لأنني لا اريد أن
ارى تذللك واعتذارك لا اريد أن احتقرك أكثر, شعرت بأنني عند رؤيتك سأصدق كل شيء
وكأنني اريد تكذيب الامر ولا اريد استيعاب أي شيء, فقط اود الاستيقاظ من ذلك
الكابوس المميت.
عُدت إلى مكة ولم
يغير رفضي لرؤيتك أي شيء, اكملت اجراءات الزفاف بشكل طبيعي, وبعد اسابيع وصلني
الخبر بأن موعد يوم زفافكما قد اقترب, فقررت أن اودع صديقة عمري وأن اقف بجانبها
في أسعد ايام حياتها كما وقفت معي كثيرا من قبل.
اتفقت مع اخواتي
السبع بأن نحيي حفل زفافكما بطريقة مختلفة, كانت الحفلة مختصرة في حديقة منزلكما
اقصد به الذي كان منزل احلامنا سابقا, المنزل الذي اشركنا فيه منزل اهلي مع منزل
اهلك لأن العائلتين لم تعد تسكنهما.
وكما هي العادات والتقاليد نزلنا نتمشى على
اقدامنا من أعلى الطريق ونحن ندق الطبول وننشد اغاني نمتدح بها العريس والعروس
ونتمنى لهما حياة سعيدة, إلى أن وصلنا إلى المنزل وما أن دخلنا إلا وصمت الجميع
دهشتاً من قدومنا اكملنا الاحتفال ولم نبالي لأحد اكملنا ونحن نرقص وندق الطبول
وتتعالى اصواتنا بالأناشيد والاغاني وهكذا مضت ليلتنا.
وحين اقترب موعد الزفّة
كان لدينا مهمة لابد لنا من القيام بها.
دخلنا غرفة نومي
السابقة ابدلنا مفرش السرير ووضعنا مفرش جديد وابدلنا العطور والبخور فوق
(التسريحة) واعدنا ترتيب الغرفة واخذت كل ما يخصني بها كل شيء, جهزناها بأكملها
وبخرناها بالعود ونثرنا المسك عليها وخرجنا.
حان الآن موعد
زفافها.
جلس اخواتي في مقدمة
المدعوين, أما أنا فقد وقفت لاستقبالها على المنصة بكل شموخ, اقبلت مبتهجة وما ان
رأتني إلا وانتكس حالها وانكمش وجهها واقطب حبينها ثم طأطأت رأسها واكملت سيرها
ببطء وتثاقل.
تقدمت اليها حين
وصلت, مددت لها يدي لأسلم عليها فمدت يدها ترد السلام بارتعاش وتردد, قبضت على
يدها وقلت بالفم الملان وبصوت عال
مبارك عليك يا أختي,
مبارك لكِ أحمد زوجي, بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير, اسأل الله
لكم السعادة والذرية الصالحة.
اجهشتْ بالبكاء,
فأخذت بيدها واجلستها على كرسي المنصة.
وبقيت بجانبها هناك
وغنوا لها اخواتي وقاموا بالرقص وشاركتهم في كذلك.
كثر اللغط والهمز
واللمز.
منهم من تقول:
"تريد أن تكسرها من أول ليلة"
واخرى تقول: "لا
يعقل ان تترك لها الحبل على الغارب بهذه السهولة"
وغيرها تقول:
"تريد ان تبرز انها الاجمل"
ساء ذلك امها واهلها
كثيراً فقرروا انهاء الزفة وادخالها إلى غرفة نومها.
فأخذت بإحدى يديها
واخذتها امها بالأخرى وقدناها إلى الداخل, وفي صالة المنزل وبين الغرفتين قلت لها.
غرفتها من هنا يا
خالتي, هذه غرفة نوم أحمد وغرفة نومكِ منذ اليوم, حياكِ الله.
ونحن في طريقنا إلى
الغرفة دخلت انت من الجناح الخارجي متجه إلى الداخل وحين رأيتني صرخت بدهشه
"امنيتي" وضربت بقبضة يدك على صدرك وانصرفت فوراً بأقصى سرعتك.
اوصلتها إلى غرفتها
واصلحت ما اتلفته دموعها من المكياج ثم ودعتها قائلة.
استودعكم الله الذي
لا تضيع ودائعه, أحمد في امانتكِ يا أختي.
لماذا فعلتِ هذا بي
يا امنيه؟
لا تعاتبيني يا أختي فأنا
قد وعدتكِ منذ زمن بأن اقف بجانبكِ في يوم زفافكِ ولن يختلف الامر ليكون من يكون.
سامحيني.
اطلبي العفو من الله,
في امان الله.
اين ستذهبين؟
بعد ساعتين ستكون
رحلتي إلى الجنوب.
استودعتكِ الله.
رحلت وتركت كل شيء خلفي تركتك
وتركت جِنان وتركت الحلم الوردي وتركت منزل الاحلام تركت مشاعري تركت قلبي وحياتي
وكل شيء ورحلت.
حدث ما كنت اخشاه,
كابوس احلامي اصبح حقيقة تتجسد امام عيناي.
تناولت القلم لأول
مرة اكتب عنك دون ان ارسل اليك, فقد اعتاد قلمي الكتابة لك فقط.
نار تتأجج في اعماقي
.. ولهيبها يحرق احشائي
لا يوجد شيء يطفأها
.. أو يوقف نزف جراحي
مازالت تزداد لهيباً
.. ها أنا اصبحت شهيداً
لا اشعر بالألم الآن
.. ولا احتاج إلى النسيان
لقد اصبحت رماد ..
ورحلت بلا ميعاد
هاجرت الدنيا بأكملها
.. فرحها وحزنها وألمها
ماتت آمالي واحلامي
.. وذاب عنفوان كياني
لم يبقى شيء بعدي ..
سوى رماد يكسوا ارضي
كابوس طارد احلامي ..
في اليقظة كنت أو المنامِ
نار تتأجج في اعماقي
.. ولهيبها يحرق احشائي
سمعت طرقات على الباب
فمسحت دموعي واجبت.
تفضل.
أختي! إلى متى ستضلين
هكذا؟ عاهدتينا بأن تبقي قوية وصارمه كما نعرفكِ جميعنا, أبي يقول خلفت سبع بنات
وصبي لا يعقل ان تضعفي هكذا انتِ اقوى واكبر واعقل.
امنية ماتت يا اماني
لم تعد كما تعرفونها, امنية قُتلت.
لا تقولي هذا, انتِ
الحكيمة العاقلة صاحبة الرأي السديد والكلمة الراجحة.
عن أي عقل تتحدثين,
قلوبنا ليس لها عقول تقودنا نحو الجنون دون أن نرى أي شيء تأخذنا إلى بعيد دون أن
نشعر بأننا نضيع.
لا لا ليست امنية من
تضيع, انتِ اقوى يا أختي, لم تنتهي الحياة بعد, ما زال امامكِ الكثير.
ماذا امامي ظلام حالك
حياة سوداء أتمنى الخلاص منها بأي شكل من الاشكال.
توقفي عن هذا, تعالي
معي.
واخذت بيدي وخرجنا
إلى المزرعة,
الحياة ليست سوداء
ولا ظلام حالك, انظري إلى الشمس وهي تخترق السحب بأشعتها انظري إلى المزن المكبل
بماء المطر انظري إلى الطيور ترتع وتلعب وتطير من شجرة لأخرى انظري إلى الجبال
الخضراء والجو العليل.
لا أرى ما تصفين.
لابد ان تريه لن اسمح
لكِ بأن تنهي حياتك من اجلهم, ليسوا كل شيء, افيقي من هذا الوهم.
ومسكتني من كتفاي
وهزتني إلى الأمام والى الخلف.
كانوا لي الحياة.
ألم تقولي بأن امنية
ماتت, إذا ماتت من حياتهم ولكن هناك حياة اخرى لابد أن تعيشها شاءت ام ابت.
تنهدت بألم, كنت اود
حقاً أن اعيش حياة خالية منهما, حياة مختلفة طاهرة من دنس خيانتهم.
كان لابد لي من بداية
صارمة مع نفسي, امحي بها كل ما سبق من الألم.
عانيت كثيراً بسببك
عانيت من قسوتك وخيانتك وجفائك, اصابني اضطراب في ضغط الدم اصبحت اتعرض لغيبوبة
مفاجئة في كل أسبوع مرة أو مرتين وقد ابقى إلى اليوم التالي في المستشفى, لم
يستطيع الاطباء تشخيص حالتي فتارة يرتفع جداً وتارة ينخفض بشده, لم يصل احداً إلى
ما لدي لكنهم اجمعوا بأنها حالة نفسية.
واصبحت اتعالج في عيادة نفسية واخذ جلسات
اسبوعية لدى الأخصائية, ارتحت كثيراً لحديثها ارتحت لأن اجد من احدثه عنك دون ان
يوقفني أو يمل من حديثي, وبعد تدريبات واستشارات وتطبيقات وصلت إلى مرحلة جيده من
المقاومة وبنيت لي شخصية جديدة اقوى من سابقتها بكثير, عرفت ماذا اريد وكيف ابدأ
من جديد وكيف اتخلص من اشخاص كانوا بالنسبة لي كل شيء والان اصبحوا لا شيء.
مضى عام كامل وعلى
الاتفاق لابد ان تجري فحص اختبار الحمل ولكن جِنان لم تحمل, وفقاً لمقتضى عقدهما
لا يوجد حل سوى الطلاق. (علماً بأن هذا الشرط محرم شرعاً) مهما اختلفت مقاصده.
طلقت جِنان وبعد
يومين فقط وصلت إلى منزلنا في الجنوب, وطلبت مقابلتي من أبي.
أحمد, ما فعلته حتى
اليوم ليس بقليل, وان كنت احترمتك للآن فاحترامي لأبيك لا لشخصك انت, قطعت على
نفسك العهود والوعود والمواثيق ولم تفي بشيء منها, والآن ماذا تريد؟.
اريد مقابلتها
سأرضيها بكل ما تطلب مني كل ما تريد سأعطيها كل ما املك.
انت وما تملك لا تعدل
دمعة من دمعاتها, ان وافقت على مقابلتك فأسجد لربك شاكرا.
اتى الي أبي واخبرني,
فأجبته دون أي تفكير.
لا اريده ولا اريد
مقابلته اخبره بأني اريد منه فقط أن يطلقني فقد امهلته عام كاملا وليس له الحق في
عضلي أكثر من ذلك.
هل انتِ متأكدة؟
بلا شك.
اتى اليك بوجه مكفهر.
لا تريدك ولا تريد
مقابلتك أو رؤيتك, تستطيع الذهاب من حيث اتيت ولا تنسى وثيقة طلاق ابنتي تصلني في
اقرب وقت.
لا مستحيل لا تقل هذا
يا عمي لا تتعجل في الرفض أنا ما زلت اريدها سأكفر عن ذنبي بما تشاء.
تعجل في معاملة
الطلاق, فلا داعي لأن تعضلها أكثر من ذلك.
اعضلها! لا لن تتزوج
بغيري, لن اطلقها بتاتاً فلتنس الامر.
لماذا! هل اشتريتها
جارية لك؟ لماذا يحق لك الزواج بغيرها وهي لا يحق لها ان تتزوج من غيرك؟ ما أُحل
لك حُرم عليها؟ ليس من حقك عضلها وتعليقها وان لم تصلني وثيقة الطلاق غدا أنا من
سيقف امامك في المحكمة, ألم يكفيك ما الحقت بها من الاذى ألم تكتفِ بعد؟ اخرج من
منزلي فوراً لا اريد رؤيتك ثانيتاً.
...
في الحقيقة لم اتخيل
في ذلك اليوم بأني حقاً سأتزوج بغيرك وانجب منه أطفال واعيش بسعادة واستقرار, لم
اتزوج من عمر كما كنت تخشى لأني لا احبذ فكرة تعدد الزوجات ولا اريد ان اذيق
احداهن ما ذقت من الاسى, تقدم لي ولكن لم اقبل به بل تزوجت من خارج عائلتنا برجل
يكبرني ثلاثة اعوام فقط لم يسبق له الزواج من غيري, وها أنا سعيدتاً بالعيش معه
ومع اطفالي محمد وميار وميرا, اكملت اليوم ثمانية اعوام بينهم, اسأل الله ان تقر
عيني بهم وأن يتم الله علينا الاستقرار.
وصلتني اخبار سعيدة
بأن جِنان قد سافرت لبعثة الي ماليزيا ولكنها لم تتزوج بعد.
أما انت فقد فرحت لك
لأنك رُزقت بفتاة بعد ان تزوجت بامرأة ارملة ذات ثلاثة ابناء كفلتهم ورعيتهم وكنت
لهم خير أب اسأل الله ان يجعل ذلك تكفيراً عما أسلفت وسبباً لدخولك الجنة.
لا أؤمن بالنهايات
السعيدة في الحياة بل أؤمن بأن الفراق قدر محتم مهما طال اللقاء (أحبب من شئت فإنك
مفارقه) النهاية السعيدة الوحيدة هي الجنة اسأل الله يجمعنا بها.
انتهى بحمد الله.