عائشة
في عداد الموتى
الجزء
الأول
يقال:
"لكل شخص من اسمه نصيب" أما أنا فلي من اسمي (النقيض) لا املك السلطة
على ما اشعر به الآن من ألم فلا يفسره سوى هذا التعبير، قد يكون قاسياً أو يظن
البعض انه مبالغ فيه ولكن اقسم بمن خلق القسم أني اشعر به ينبع من اعماقي.
لا
اظن ان علاقتي بهذا الاسم قد تتحسن ابداً بل أراها تسوء أكثر فأكثر كل يوم.
كم
أتمنى أن اتحرر من هذه الكذبة واتخلص من واقعها المرير.
الاسم:
عائشة يوسف عيسى.
العمر:
37
عام.
المرض:
اكتئاب، أدى الى سبع محاولات انتحار.
الحالة
الاجتماعية: مطلقة.
هذا
ما كان يتصدر ملفي بيد الطبيب النفسي الجديد، الممرضة تقف امامه مندهشة.
- هل انت متأكد؟ د/ أحمد هذه الحالة في غاية
التعقيد لقد عجز عنها الكثير من الأطباء المخضرمين في هذا المجال.
- لا يهمني، سأفعل ما بوسعي لست مخضرماً ولا
ماهراً ولكن ما المانع من التجربة؟
- التجربة خير برهان.
قال
لها بإصرار وثقة.
- إذاً سأجرب، إن لم انجح فلن اخسر شيء.
وبدأ
المشوار بكل حماس.
قرع
باب الغرفة ثم ادار المفتاح وشد المقبض ودخل بهدوء، كنت اجلس على السرير كعادتي
اضّم ساقيّ الى صدري واحيطهما بذراعيّ النحيلتين بوضعية كئيبة للغاية، اشعر
بالوحشة لبقائي بمفردي في ذلك المكان المخيف وفي الوقت نفسه افتقد الأمان عندما
يقترب أحدهم مني.
حين
رأيته لأول مره شعرت بخوفٍ شديد، بالطبع سيلحق بي ضرراً جديد كما يفعل الجميع هنا
هذا ما كان يجول في عقلي لحظتها، ولكنه لم يقترب مني كثيراً بقي على بعد بضع خطوات
وقال في حنو.
- لا تخافي، لن اقترب منكِ، حافظي على هدوئكِ
فقط.
لم
اجيبه وكذلك لم اشعر بالاطمئنان او الأمان، كنت ارتعش بشكل ملحوظ.
- هل تشعرين بالبرد؟
أومأت
برأسي نافيتاً ذلك، ابتسم ابتسامة تبث الراحة في قلب كل من يراها، واقترب من
الكرسي بهدوء وجلس.
- حسناً يمكنك اخذ قسطاً من الراحة، سأبقى هنا إذا
كان هذا لا يزعجك.
وضعت
رأسي على الوسادة بتوتر وجلبت الغطاء بأطراف اصابعي سحبته ببطء واخفيت به ما
استطعت من جسدي حتى رأسي، لم يهدئ ارتعاشي ولم تقر عيني بنومِ هنيء فقط كنت ارتقب
لحظة انصرافه على أحر من الجمر.
اما
هو فبقي جالساً على الكرسي يقرأ كتاباً علمي بهدوء، حتى أني لا اشعر بوجوده الا
حينما انظر اليه، كنت قلقة بشأنه ولكنه لم يؤذيني على الاطلاق.
حان
موعد الدواء دخلت الممرضة حاملة بيدها مجموعة من العقاقير وكأساً من الماء.
- نيرس، ناوليني هذا، يمكنك الذهاب الآن شكرا لك.
- العفو.
اخذ
العقاقير وبقي يقرأ أسماء الأدوية المكتوبة على كل شريط، نظر الى وابتسم ثانيتاً
ثم اقترب بهدوء وناولني اليها، وقال بصوت هادئ:
- يمكنك تناول هذا الآن؟
مددت
يداي اليه بحذر لم يهدئ ارتعاشها بعد، بل اظنه يزداد أكثر وكذلك دقات قلبي
المضطربة حسبته يسمعها لشدة قرعها.
تناولتها
بصمت وعدت الى النوم ثانيتاً، وفي هذه المرة استطعت النوم وفقدت الشعور بأي شيء
حولي حتى الصباح.
فتحت
عيناي الذابلتان التي احاطها السواد منذ زمان بعيد، وأسرت بداخلها الدموع والأحزان
والأسرار.
رأيته
امامي كما ودعته عيناي تماماً، يبدو انه لم يتغير بحاله سوى عدد أوراق الكتاب الذي
بين يديه فقد وصل الى منتصف صفحاته على ما يبدو لي، وكذلك تغير لون كوب القهوة
الورقي الذي شاركه السهرة المملة على الطاولة المجاورة له.
تحركت
بشكل ملحوظ وتعمدت ذلك للفت انتباهه، رفع راسه وسرعان ما ارتسمت على شفتاه ذات
الإبتسامة التي اعتدت عليها ونظراته الدافئتان.
- صباح الخير.
- صباح النور.
كانت
هذه اول جملة نطقتها شفتاي وبعثتها اليه.
- كيف حالكِ اليوم؟
- لا جديد.
ابتسم
ابتسامة نصر فقد تمكن من التأثير بي ونجح من اول جولة في جعلي اتجاوب معه.
- جيد.
ضحكت
ضحكة قصيرة مستفزة وقلت باستفهام وتعجب.
- ألا تخاف من البقاء معي؟
- انا! اطلاقاً، لماذا تقولين هذا؟
شعرت
بأن ما كان يعتريني من قلق وخوف ليلة البارحة قد تبدد واختفى كلياَ، جلست متربعة
فوق السرير بكل ثقة وبدأت مناظرة التهجير التي اعتدت على إعلانها في كل مرة يحضرون
اليّ طبيب او طبيبة جديدة.
- عزيزي، سأخبرك شيئاً يبدو انهم لم يخبروك به
سابقاً، لقد حضر الى هذه الغرفة ما يقارب الخمسون طبيب وطبيبة وجميعهم رحلوا دون
أي تطورات، لا اعلم لماذا تبذلون كل هذا الجهد مع ميته!
صُعق
حينها وقال بتعجب.
- ولكنكِ عائشة!
حين
قالها ضحكت ضحكاتٍ عالية للغاية ضج به المكان.
- عائشة نعم عائشة ولكن في عداد الموتى، لا تضيع
الوقت معي ارجوك، الآن اشعر بالصداع فقط ناولني العقاقير ودعني اخذ قسطاً من
الراحة مجدداً.
لم
يود إطالة الحديث معي أكثر، اخذ علبة العقاقير وكوب الماء من فوق الطاولة وناولني
إياها.
- حسناً، تفضلي.
سقط
الكأس المعدني من يدي وأصدر صوتاً مزعجاً للغاية، وضعت يديّ على اذنيّ وصرخت بصوت
عالٍ وكأني أحاول قد استطاعتي منع اذناي من سماع ذلك الصوت حتى لو كان البديل هو
الصراخ.
- لاااااااااااااااا.
- هل انتِ بخير؟
اصابتني
نوبة الخوف والبكاء المعتادة كنت ارتعد من شدة الارتعاش والتوتر وأجهش بالبكاء
بشده، لا اعلم لماذا افعل هذا حينها ولكنني افعل ذلك على كل حال.
كان
يحاول أن يهدأ من روعي ولكن دون فائدة.
- اهدئي ارجوكِ لا شيء يدعو لهذا، كأس معدني وقع
على الأرض فقط لا أكثر.
لم
استمع لما قاله فأنا لم اعد اسيطر على انفعالي ابداً كنت اصرخ فقط.
- ابتعد عني اخرج من هنا بسرعه لا اريد احداً هنا
اخرج من هنا اخرج.
اقترب
من الباب وهو ما زال يحاول التهدئة.
- حسناً سأخرج وسأبقى في الممر عندما تحتاجين
للمساعدة يمكنك الضغط على الجرس.
- اخرج.
بقي
في الممر وبقيت انا على السرير لترحل ذاكرتي الى بعيد.
...
في
بيت قديم وصغير تقف فتاة لا تتجاوز السابعة من عمرها في المطبخ وتغسل الصحون،
وفجأة يسقط الكأس المعدني من بين يديها الصغيرتان ويبدأ الصراخ عليها وضربها من
امرأة اباها.
هذه
هي طفولتي في بيت ابي ومع امرأته، كانت تضربني بوحشية ليل نهار وكأنها تثأر لنفسها
مني بسبب كرهها لأمي التي ماتت بحالة تسمم بعد ان تناولنا طعام الغداء قبل عام
واحد من الحادثة تلك.
لا
زلت اشعر بذات الألم كلما سمعت الصوت، اشعر وكأن جسدي يتقطع وهي تضربني بلا أدنى
رحمة او شفقة.
صوت
خطوات ابي حضر الفرج الحمد لله سأخبره بما تفعل بي، حين سمعت خطواته تقترب خرجت من
المطبخ لأرى ابي ولكن لم يكن هو، هذا ليس ابي! ابي عندما يعود الى المنزل يصرخ
منادياً باسمي، يبحث عني فور حضوره، اما هذا الرجل فليس ابي، انا لا اعرفه ابداً.
كنت
ابكي في الغرفة ولم يفتقدني كان جسدي يتقطع إثر ضرب زوجته ولم يشعر بي، يا إلهي هل
يعقل هذا؟ لا بأس سأذهب انا اليه.
كنت
اسير باتجاه غرفة الجلوس بخطوات مترددة وخائفة، وفي الطريق قابلتني لتنذرني قائلة:
- اباكِ هناك دعينا نتفق، انتِ تريدين اخباره
الآن ولكن ستتحملين ما يحدث بعدها، بالتأكيد تعلمين اين هي والدتكِ الآن! ولا
تريدين اللحاق بها قريباً، أليس كذلك؟
- حسناً.
لم
اتفوه بكلمه ولم ينظر اليّ هو ليرى أي شيء لقد كان منغمسناً في الحديث معها، لم
يشعر بوجودي في الغرفة بتاتاً، ماذا حل بك يا ابي؟ انا ابنتك الوحيدة.
وحتى
اليوم لا اعلم ماذا حل بأبي! كنت اتساءل دائماً ما الذي بدل حالك يا ابي؟ هل انت
تحت تأثير سحرها ام عشقها ام ماذا؟ كم تمنيت ان أجد الإجابة يا ابي وليتني اجدها.
...
توقفت
نوبة البكاء وبقيت دموعي تنهمر على وجنتاي بصمت، فتح الباب بهدوء.
- هل يمكنني الدخول؟
- تفضل.
عادت
ابتسامته مجدداً.
- كيف حالكِ الآن؟
اجبته
متجاهلة النظر اليه.
- اشعر بصداع فقط أعطني الدواء احتاج ان انام.
- تفضلي.
تناولت
الدواء وغرقت في نومٍ عميق، بقيت ساعات طوال لم اشعر بشيء، ولكن عندما فتحت عيني
وجدته ما زال امامي.
- هل ما زلت هنا؟!
قلت
ذلك بتعجب لأني لم أتوقع منه البقاء مطلقاً، رفع رأسه وابتسم بدفء وقال:
- مساء الخير.
- مساء الخير! كم الساعة الآن؟
- منتصف الليل.
- لا فرق لدي، هنا الليل كالنهار لا فرق نحن تحت
الأرض على أي حال.
- إذا أردتِ تغيير الغرفة فيمكنني مساعدتك.
كان
يتحدث بحماس شديد ولا اعلم لماذا أحاول في كل مرة قتل ذلك الحماس.
- حقاً! نعم اريد التغيير ولكن لا اريد غرفة أخرى
فقط اريد الرحيل من هذه الحياة، هل تستطيع مساعدتي؟
- لما كل هذا اليأس؟ الحياة جميلة.
- كفاك كذباً عليّ، لا شيء جميل جميعها أكاذيب لا
تستحق أي شيء.
- انتِ تستحقين.
- لم أحظى بما استحق منذ ان خُلقت الآن فقط عليّ
فعل هذا، هُراء! أنتم لا تشعرون؟ لستم بشراً؟ اريد الموت فقط دعوني وشأني.
- تريدين الرحيل الى جحيم اخر!
- قد تكون ارحم من هذه على كل حال.
- كلا هي أكبر وأقسى وأعظم بكثير.
لامست
قلبي هذه الكلمات فأحببت ان ابتر الحديث بسرعة حتى لا يتمادى في الإقتراب من
اعماقي تحدثت اليه بفضاضة كعادتي وحاولت المبالغة في الجفاء أكثر هذه المرة.
- أسعدني هذا حقاً، اغرب عن وجهي لا اريد احداً
هنا، ألا تفهم؟ لماذا لا ترحل؟
-
هل
تريدين الطعام؟ انتِ لم تتناولِ أي شيء منذ مجيئي الى هنا.
اضطجعت
على السرير بلا مبالاة.
- لا يهم لا رغبة لدي في شيء، سأعود للنوم ولا اريد
رؤيتك عندما استيقظ، اتفقنا؟
- كلا لم نتفق بعد، الطعام عاملٌ مهم في العلاج
وكذلك النوم المنتظم.
كان
استمراره في الحديث يستفزني.
- اخرج خارجاً.
بقي
جالساً يمثل الانغماس في القراءة دون ان يبالي بشأني، صرخت بصوتٍ عالٍ.
- اخرج ألا تسمعني؟
- بلى، ولكن لستُ مجبراً على التنفيذ فأنتِ لم
تقومي بعمل ما طلبت منكِ.
- آه انت تعاندني إذاً تحاول لوي ذراعي.
- كلا، لا اريد ذلك ولا اريدكِ ان تغضبي ولا اريد
ان يمسكِ أي مكروه، ولهذا انا هنا.
- ماذا تريد مني إذاً؟
- تناولي طعامكِ.
ارتفع
صوتي حينها.
- تريدون فرض رأيكم دائماً، انا أعيش رغماً عني
هل تفهم؟ ايضاً تريد مني الأكل رغماً عني!
- كلا ليس رغماً عنكِ، ولكن انتِ حاولتِ الانتحار
سبع مرات ولم توفقي من الممكن ان تكون هذه فرصتكِ لإعادة النظر في قرارك مجدداً.
ادرت
ظهري عنه.
- لن اعيد أي شيء، هذا الامر محسوم بالنسبة لي.
- الموت لعبة الاقدار جميعنا سنعيش التجربة شئنا
ام ابينا لن تخسري شيء ان قدمتي لي ما اريد ولو من باب المجاملة، انا لم اطلب منك
ان تعيشي فقط طلبت ان تأكلي، لن تخسري شيء صدقيني، وفي النهاية اعدكِ أنك ستموتين
هذا وعد.
- حسناً.
اتصل
بالخدمات وطلب احضار طعامه الخاص الى الغرفة.
- كيف وافقوا على ارسال الطعام؟ اعتدت على
الحرمان من الوجبات لأني لا اكل في الوقت المحدد، في الحقيقة هذا الأمر الوحيد
الذي يرضيني.
- اخبرتهم بأنه لي انا، هذه وجبتي الخاصة.
قلت
له بخيبة أمل.
- شكرا لك.
- على الرحب والسعه.
لم
ينظر اليّ وانا اكل واعتقدت بأنه غير منتبه لي، اول مره أرى سكين منذ ان حاولت
الانتحار بها وبترت عروق يدي، حملت السكين لم اكن اريد فعل أي شيء ولكن رأيت الدم
ينهمر بشدة من يدي عادت لي ذات الصورة وشعرت بنفس الشعور، وقعت السكين على الأرض
سمعت الصوت المشئوم ثانيتاً انه صوت المعدن على الأرض، ورأيت الدم في كل مكان اخذت
اصرخ عالياً.
- دم دم دم في كل مكان انظر اليه دم دم دم.
كنت
اشعر بضيق في التنفس وكأن روحي تنتزع من جسدي بقوه، اغمضت عيناي واخذت اقبض على
يدي بكل ما أوتيت من قوة.
- عائشة لا أرى أي دم هنا، هل تسمعيني، اهدئي لا
شيء هنا.
كانت
كلماته تتردد على مسامعي وتتخلل صرخاتي المتواصلة "لا شيء هنا" توقفت عن
الصراخ وبقيت مغمضة عيناي واسأل بتعجب.
- ماذا!
- لا شيء، لا أرى أي دم، انتِ بخير، افتحي
عيناكِ.
فتحت
عيني وانا واثقة من وجوده لقد فتحتها لأريه الدم ولكن لم يكن هناك شيء!
- رأيته اقسم لك رأيته في كل مكان كان ينهمر بشده
من يدي كانت روحي تخرج من جسدي لقد كنت احتضر منذ ثوانٍ كان الدم هنا وهنا في كل
مكان.
- انا اصدقكِ.
- حقاً!
هذه
اول مرة اسمع تلك الكلمة منذ زمنٍ بعيد، اعتدت من الجميع ان يكذبونني رغم صدقي وقد
يكونون مدركين ذلك ولكن لا يصرحون به، هذه اول مرة اسمعها اول مرة.
- نعم.
- اريد النوم.
- حسناً هل انتهيتِ من الطعام؟
- نعم.
- اخلدي الى النوم.
غرقت
في النوم ورأيت حلم او على الأحرى كابوس ولكنه كان غريباً، استيقظت بهدوء دون ان أصدر
أي صوت رفعت نفسي قليلاً واسندت رأسي الى الوراء واخذت أفكر به.
- ما بكِ؟
- كان كابوساً مزعج لا تهتم.
- بما تحلمين عادتاً؟
- قلت لك لا شيء مهم.
- حسناً كما تحبين.
عم
الصمت المكان وكلاً منا بقي في عالمه حتى تحدث بصوت هادئ.
- يقال ان الاحلام تعكس واقع الحياة، لأن معظمها
أحاديث نفس فغالباً تكون متعلقة بأحداث الواقع او الذكريات البعيدة التي ما تزال
محتبسه بداخلنا او المستقبل الذي نخشاه.
- الاحلام خُلقت لتعذبنا فقط.
- في علم النفس تعد الاحلام احدى الطرق التي تؤدي
الى السلام الداخلي والتعرف على الذات بشكل أوسع لأنها تكشف للإنسان أمور كثيره قد
لا يكون هو مدركها عن نفسه وعمن حوله.
لحظات
من الصمت.
- انت تلك النافذة إذاً.
- لم افهم.
- كانوا يريدون قتلي، كنت اركض واركض لكنهم
يقتربون، لا أحد يصدقني كالعادة لا احد يقف بجانبي او يساندني، لأنهم يدركون انّي
جُننت، عدا تلك النافذة، نافذة يخرج منها الضوء يشق ظلمة تلك الغرف حاولت الخروج
منها ولكني استيقظت قبل ان اخرج.
- تعلمين لماذا؟
- لماذا؟
- لأنك لا تمتكين العزيمة الكافية والإرادة
القوية لعبورها، من قال أنكِ مجنونة أصلا؟
- الجميع.
- من هم اولئك الجميع؟
- ابي وزوجته وزوجي وهذا المكان وكل من يعمل به.
- لا عليك من كل هذا، انا طبيب ومر بي العديد من
الحالات رأيت المجانين ورأيت مثل حالتكِ وأصعب منها ايضاً، قد يقولون هذا عنكِ
ولكن انتِ تعلمين في قرارة ذاتكِ انكِ لستِ كذلك وهذا هو الأهم.
- لا اعلم شيئاً على الاطلاق، أصبحت اصدقهم انظر
ماذا فعلت بنفسي اشعر انهم كانوا محقين بهذا.
- بتاتاً الأمر ليس كذلك، عائشة انتِ لستِ مجنونه
حتى انه بإمكانكِ التغلب على كل هذا فقط بقليل من الإرادة والإصرار وفي وقت قياسي.
ضحكت
بسخرية واخذت اتحدث بيأسِ المعهود وكأني اريد إقناعه بهذا وتثبيطه عن فعل أي شيء
من أجلي.
- حقاً انت تضحكني، تريد اقناع انسانة حاولت الانتحار
سبع مرات تعيش في غرفة عزل في سراديب مصحة نفسية منذ ما يقارب خمس سنين حتى طاقم
النيرس الذين يقدمون لها الدواء يخشون الاقتراب منها وما يقارب الخمسون طبيب وطبيبة
يعلنون العجز عن علاجها، أي اداة حاده يمنع دخولها الى غرفتها حتى لا تحاول
الانتحار مجدداً بواسطتها بل حتى الزجاج يمنع عنها انهم يقدمون لي الطعام في اوانِ
معدنية وبلاستيكية، ماذا أقول أكثر هل تريد ان أصف حالي لك؟ تعلم! انت كمن يحلم
بعودة ميت الى الحياة من جديد، لا تغتر باسمي فهذه مجرد كذبة ألصقت بي فقط لست
عائشة على الاطلاق.
- حسناً انا احلم وانتِ مجنونة وميته إن اردتِ،
ولن افعل أي شيء من اجلك لأنكِ لا تريدين، سأذهب كما ذهب جميع الأطباء من قبلي
واكملي انتِ هنا ابقي قدر ما تريدين ليس فقط خمس سنين ابقي أكثر ابقي عشرون عام
واستمري على هذا اليأس احذري من أي امل او عزم يقترب منكِ، انا سأذهب الآن لأنه لا
يمكنني البقاء إذا كان بقائي لا يضيف لكِ أي شيء، الى اللقاء.
انصرف
بهدوء ادار وجهه عني وعيناه متجهة الأرض وابتسامته المعتادة مفقودة كان يسير
بخطواتٍ بطيئة نحو الباب الى ان وصل وسمعت صوت المفتاح يستدير بداخل الباب شد
المقبض واخرج احدى قدميه، هنا صــــرخــــــت.
- لا تذهب، لا تدعني هنا بمفردي، لا اريد اغلاق
النافذة الوحيدة التي من الممكن ان تخلصني من كل هذه الظلمة.
- هل انتِ متأكدة؟
- نعم، ولكن لا تدعني وتذهب.
اغلق
الباب وتوجهه الى سريري وابتسامة النصر تشق وجهه، جر الكرسي بهدوء حتى جاور السرير
ودنا مني بحنو وقال.
- حسناً إذاً سنتعاون حتى نصل الى ما نريد، ولكن
قبل أي شيء لابد من اتفاق.
- ما هو؟
- ستفعلين كل ما بوسعك اريد عزم اريد إرادة اريد
قوة ايمان، وسنبدأ بالعلاج فوراً.
- انا مستعدة.
- الادوية ليست الحل كما ترين، هناك فحوصات لابد
ان نقوم بها لتحديد الادوية التي تلزمك في مواعيد محددة لن تتأخري عن الموعد
ابداً، وبعد ذلك سأرى كم المدة التي يستغرقها العلاج، وكذلك أوقات النوم والصلاة
ستبدئين بالاهتمام بها، هذا في البداية، سأقوم الان ببعض الإجراءات عن اذنك.
- حسناً، سأفعل كل ما تريد.
وفي
الصباح أجريت العديد من التحاليل والفحوصات وإشاعة مقطعية وعدت الى الغرفة في
الظهيرة.
- مرحبا.
- اهلا بك.
- صليتِ الظهر.
- لا.
- لماذا؟
- انا لم أصلي منذ ان اتيت الى هنا.
- هل سقطت عنكِ التكاليف؟
- لا.
- إذاً تستطيعين الاغتسال والتوبة النصوحة
والعودة الى الصلاة مجدداً.
- لكن لا اعرف التواقيت.
- انا سأخبركِ بها لا تقلقين.
- حسناً.
منذ
وقت بعيد لم اضع الماء على جسدي لأن الاغتسال من مظاهر الحياة التي لا اشعر بها،
كانت تجربة جيدة شعرت بأن الهموم والاوجاع تتساقط مع الاوساخ وكأن روحي تتجدد.
خرجت
من الحمام لأجد الطبيب جهز لي السجادة وشرشف الصلاة متجهة نحو القبلة.
استقبلت
القبلة وشعرة برغبة في البكاء لا اعلم لماذا؟ هل هو شوق ام ندم؟ لا اعلم لماذا
ابكي ولكنني افعل.
انهيت
الصلاة وانا ما زلت ابكي، في اثناء السجود اشعر بثقل كبير يسقط من عاتقي، كنت
مرتاحة للغاية.
- كيف حالكِ الآن؟
- اشعر براحة كبيرة، اريد ان انام فقط.
- لابد ان تتناولِ الغداء أولاً، وكذلك الدواء
وبعدها يمكنك اخذ قسطاً من الراحة الى صلاة العصر.
فعلت
ما قاله لي وغفت عيناي الى ان حان موعد صلاة العصر.
- عائشة، عائشة هل تسمعينني استيقظي حان موعد
صلاة العصر.
- اشعر بأن راسي يؤلمني بشدة.
- هذا امرٌ طبيعي، مع مرور الوقت سيختفي هذا
الألم.
- انت غيرت العقاقير لقد كانت تلك تريحني أكثر.
- العقاقير ليست الدواء الوحيد هي تستخدم لتعديل
بعض نسب النقص وتهدئة المريض فقط ولكن ليست الدواء.
- انا لا افهم هذا اريد فقط حبة تقضي على الصداع
وكفى.
- لا املك هذه الحبة السحرية مع الأسف يمكنك الآن
الوضوء والصلاة ويمكنك ايضاً الدعاء في السجود قد يخفف عنك كثيراً، استأذن سأذهب
الى المسجد الآن.
خرج
واخذت ابحث عن الحبوب ألا يوجد حبة هنا او هناك؟ لا بد ان واحدة قد سقطت بالخطأ لا
شيء في الخزانة ولا تحت الوسادة لا شيء يا إلهي كيف أستطيع احتمال هذا؟ ألم بشع
يسيطر على كل خلية من رأسي بشراسة.
توضأت
وصليت ودعيت ولكن لم يتغير شيء، وعندما عاد.
- صليتِ؟
- نعم.
- ما بكِ؟
- الألم لم يهدئ اشعر بأنه يزداد رأسي سينفجر لا أستطيع
الإحتمال دون الحبة.
- حسناً كما تريدين.
أجرى
اتصالاً هاتفياً وطلب الحبة.
- تفضلي هذه هي الحبة السحرية التي ستخلصك من كل
الصداع.
- شكرا لك.
وبعد
مرور ساعتين.
- كيف الصداع الآن؟
- الحمد لله تحسن كثيراً بفضل الحبة.
- ولكنها كانت مجرد فيتامين ليست مهدئة ولا مضاد
ولا حتى مسكن ألم.
- ماذا!
- هذا عاملٌ نفسي عندما وضعتي جميع الآمال في هذه
الحبة حققت لكِ ما تريدين رغم انها لم تفعل أي شيء.
- لم افهم.
- بسبب تعلقكِ بالحبة شعرتي انها من ازالت الصداع
رغم انها مجرد فيتامين، علو سقف امنياتكِ بها هو من صنع لك الفرق، لماذا لا تعلقين
هذا التعلق بالله؟ لماذا لا تضعين الامل الأكبر به وتحسنين الظن فيه ولا تتعلقين
بأسباب قد تضر ولا تنفع، عندما طلبت منك العودة الى الصلاة اردت منك الإحساس بهذا
الفرق في الراحة النفسية والسلام الداخلي لا سبيل للراحة بعيداً عن الله.
- شعرت بالراحة كثيراً ولكن الصداع حقاً اختفى
بعد تناول الحبة.
- انا اصدقكِ واشعر بكِ ولكنها عوامل نفسيه فقط
وليست حقائق، العقاقير التي كنتِ تستخدمينها لم تكن جميعها تناسب حالتك، يجب ان
تستخدمي فقط ما تحتاجين بكل دقه حتى لا تضرك بدلاً من نفعك.
- حسناً.
حان
موعد أذان المغرب، نهضت بمفردي توضأت واستقبلت القبلة لأصلي قبل ان يغادر الغرفة،
كنت سأكبر تكبيرة الاحرام ولكن حين نظرت الى موضع السجود رأيت الكثير من النمل
يجري على سجداتي، ابتعدت فوراً وصرخت.
- انظر إليهم يقتربون نحوي.
كنت
انفض نفسي بفزع واركض الى الوراء لا بتعد عنهم.
اقترب
الطبيب مني، وكان يحاول تهدئتي ولكن لم يستطيع لأني أصبحت أرى النمل في كل مكان
كان منتشراً ويتكاثر بسرعة فائقة حتى غطى أرضية الغرفة بأكملها كان يغطي كل شيء
السرير الطاولة كل مكان، وانا اصرخ والطبيب يكرر.
- لا شيء هنا انا لا أرى أي شيء صدقيني فقط اهدئي
ولن تري شيء.
- انظر إليهم انهم يغطون كل شيء، يتكاثرون بسرعه.
اغمضت
عيناي ووضعت يديّ على وجهي واجهشت بالبكاء وانا اردد.
- يا رب يا رب.
- افتحي عيناكِ مجدداً لن تري أي شيء.
كنت
مترددة ولكن فعلت، سحبت يدي ببطء وفتحت عيناي ببطء اشد، ولم أرى شيئاً، ابتسمت
واخذت انظر في كل مكان والتفت بسرعة ابحث عن أي نملة ولكن لم أرى شيء.
- لا شيء حقاً! لقد كانوا هنا منذ قليل، ألم
تراهم؟
- لا يهم المهم انهم لم يعودوا هنا، الآن يمكنك
الصلاة بخشوع.
- هل انت ذاهب؟
- نعم لابد لي من الذهاب الى المسجد.
- ولكنني خائفة.
- لا تخافي لا شيء هنا، كما أنكِ ستكونين في
اجتماعٍ خاص جداً مع الله كوني مطمئنه من كان مع الله كان الله معه.
- حسناً، سأكون بخير ان شاء الله.
شعرت
بالخوف ولكن عندما أتذكر كلماته اشعر بالطمأنينة.
بقيت
على هذا الحال أحلام مزعجة واوهام نوبات من الصداع وصعوبة في النوم بعض الأوقات
ولكن مضى الوقت وأكملنا ثلاثة أسابيع.
- اريد اخبارك بشيء.
- ما هو؟ أخبريني لماذا تترددين؟
- هناك حلم طالما تكرر علي، كلماته ما زالت ترن
في اذنيّ، كان خالد يقف امامي ويقول لي بسخرية، تحاولين التغلب على كل شيء والخروج
من المستشفى أليس كذلك؟ ولكن الى اين ستذهبين؟ ليس لك مكان بيننا، تخرجين من
مستشفى المجانين وتعيشين معنا! ليس لدينا القدرة على استقبال المجانين.
- من هو خالد؟
- طليقي.
- قلت لكِ سابقاً ان الاحلام تعكس دائماً ما يكمن
في الأعماق، فقد تكتشفين أمور كثيرة عن ذاتك من خلال احلامك.
- دكتور قلت لك سابقاً انا ميته في عداد الموتى،
لست انا من رفض الحياة بل الحياة هي التي ترفضني دائماً.
- ما رأيك في ان تروي لي قصتكِ؟ وانا سأحكم في
النهاية.
- حسناً.
بعد
نفس عميق بدأت ارويها، (في مستشفى النساء والولادة، في غرفة التنويم، امي وابي
يحتضناني على السرير الأبيض ويتأملون ملامحي،
- انظري الى عينيها ناعستان كـ عينيكِ.
- وواسعة كعينا اباها.
- لن تكون بيضاء مثلكِ.
- صحيح ولكن بشرتها قمحية وانا اعشق هذا اللون.
- لون شعرها بني كلون شعرك، انظري انظري الى
شفتيها الصغيرتان كشفتيكِ تماماً.
- انفها طويل مثلك يا بينو كيو.
دخل
الطبيب وطلب من ابي الحضور الى مكتبة.
- مرحباً دكتور.
- اهلا بك، تفضل .
- ما خطبك؟
- لا اريد اخافتك ولكن في الحقيقة الأمور ليس على
ما يرام.
- ثمت شيء لا نعلمه؟ لقد قلقت.
- زوجتك لن تتمكن من الانجاب بعد الآن.
- لماذا؟ ماذا حدث؟
- تعسرت ولادتها كثيرا وأثر هذا على صحتها،
لسلامتها آمل ان لا تخوض تجربة الحمل ثانيتاً.
عاد
ابي للغرفة.
- ما بال الطبيب؟ ماذا قال لك؟
- لا شيء مهم.
- ولكن تعابير وجهك تعلن عكس هذا.
- انتِ تعلمين أني احبك كثيراً، ولابد ان تعلمي
ان هذا الامر لن يغير شيء في حياتنا.
- ماذا حدث يا أحمد؟
- لن تستطيعي الانجاب ثانيتاً.
عم
الصمت المكان لبرهه.
- الحمد لله على كل شيء.
- الحمد لله.
مضت
خمسة سنوات على العهد ولم يغير ذلك الخبر أي شيء في حياتنا، ولكن غيّر ذلك في حياة
غيرنا كثيراً، والدة ابي قررت ان تخطب لأبي ابنت اختها لتنجب للعائلة الصبي الذي
يحمل اسم اباه وجده ويرفع رأس العائلة.
ولشعور
امي بالنقص وافقت على هذا القرار، وجاءت عمتي الى المنزل عروس، وبدأت المعارك في
الظهور وكيد النساء في ازدياد، امي لم تكن سهلة المنال بل عجزت عن ذلك عمتي رغم كل
المحاولات ولم يكن لديها سوى خيار واحد قتل امي! وضعت لها السم في وجبة الغداء
وماتت امي قبل ان تغرب شمس ذلك النهار.
كانت
تلك اول عقبة واجهتني في الحياة رأيت امي تموت امام عيناي وحُكم عليّ بالعيش مع
الجانية في ذات المكان، وبعد وفاة امي تبدل حال ابي كان غريب جداً أصبح يهتم بها أكثر
من السابق ويقدم لها الهدايا ولا يرى في الدنيا امرأة أخرى سواها كما لو انه لم
يخلق امرأة غيرها، كنت اشك في انها قد سحرته ولا استبعد هذه الفكرة عنها فمن اقترف
إثم القتل ليس صعباً عليه أن يسحر.
هذا
ما حل بأمي وابي اما الطامة الكبرى فكانت لدي انا، لقد كان ابي لا يلقي لي بالاً
على الطلاق، اما هي فحولتني الى خادمة منذ ان كان عمري ست سنين اغسل واقف في
المطبخ واكنس وافعل كلما تفعله الخادمة دون أي رحمة او شفقه وعندما تعجز يدي
الصغيرتين عن حمل شيء ثقيل فيسقط من يدي او اشعر بالإجهاد قبل ان انهي الاعمال
الشاقة التي تلقيها على عاتقي ليل نهار تضربني بوحشية وتذيقني اشد ألوان التعذيب
وتحرمني دائماً من الطعام، وعندما يعود ابي تهددني حتى لا اخبره بشيء؛ ولأني اعلم
ان ابي لن ينصفني منها أصبحت احتمل واصمت وبقيت هكذا الى ان بلغت العشرون عام
وقررت ان تزوجني بابن اخيها ودون التفات لرأيي، وافق ابي وتم الزواج، انتقلت من
جحيم زوجة ابي الى جحيم خيانة زوجي، كان يتعاطى المسكرات ويستقبل أصحابه في منزلي
النساء والرجال، لا أستطيع التحدث لأنه لا مكان لدي فإن خرجت من بيته سأعود الى ما
كنت عليه باسم المطلقة وجحيم مجتمع بأكمله، بقيت على هذا الحال الى ما يقارب
العشرة أعوام أحاول ان اغير من حياتي او اتأقلم او احسّن أي شيء دون جدوى يئست
وزاد حملي كثيراً ولم استطع الاستمرار حينها ألصقوا بي تهمة باطلة وانقلبت
الموازين فأصبحت الخائنة عديمة الشرف والكرامة وقدمت عمتي كل ما في وسعها لتنجح
تلك المؤامرة الخبيثة، لا داعي لأن اخبرك بتصديق أبي لها فهذا الامر قد فرغ منه
منذ زمن بعيد، عُدت الى جحيم عمتي بعد ان طلقني انتقاماً لشرفه وتزكية لنفسه، مكثت
في بيت ابي عامين تحت مؤامرات عمتي التي حولتني لمدمنة على المهدئات دون ان اشعر
وذلك بسبب دمار نفسيتي وسوء مزاجي لا اعلم ماذا حدث في تلك الفترة بالضبط ولكني
كرهت الحياة لأني لا اجد فيها الأمان واذا اردت الحقيقة انا فقدته منذ ثلاثون عام
منذ وفاة والدتي، انا نادمة لأني لم اتسبب في موتي عندما كانت زوجة ابي تهددني في
البداية، لماذا لم افعل ما نهتني عنه؟ لماذا لم اتركها تقتلني؟ ولماذا لا اقتل انا
نفسي الآن واذهب الى امي؟ حاولت مرتين في بيت ابي ان اموت وفي كل مرة ينقذونني
ويعيدوني الى جحيم الحياة واسمع ما اكره سماعة (عائشة ما زالت عائشة)، رغم انهم
يعلمون ان عائشة في عداد الموتى، اتيت الى هنا وحاولت جاهدة في اكمال مشواري ولكن
ايضاً دون جدوى الجميع يرفضون مساعدتي منذ خمس سنين وانا في غرفة العزل يخشون ان
ألحق بي مكروهاً او امسهم بأذى، تعلم انه شيء مضحك عندما نتمسك بالحياة نجد من
يدفعنا للموت إكراهاً، وعندما رفضنا الحياة حرمونا من الموت أيضا).
- الحياة لن تنتهي بتمرد زوجة اب او انحراف زوج،
انتِ عشتي الكثير حتى الآن ولا شك انه امر عظيم وهذا ما صنع عائشة التي اراها
اليوم وسوف ترينها غداً، انتِ تستطيعين الوقوف من جديد ولستِ بحاجة احدٍ ابدا.
- وكيف ذلك؟
- انتِ من يحدد كيف.
- صعب، لا أستطيع.
- لا تقولي لا أستطيع، قولي لا اريد، ولا ترمي
مسئولياتكِ على عاتق الحياة.
- نحن في مجتمع شرقي ذكوري لا يمكن لفتاة العيش
بمفردها.
- ليس هذا الحل الوحيد، ولستِ ملزمة من الآن بأن
ترسمي لنفسكِ خطة المستقبل وتجيبي على سؤالكِ الذي سمعتيه بلسان خالد في الحلم، ما
زال لدينا الكثير لفعله ما زلنا في بداية المشوار، ما يهمني ان يكون لديكِ الامل
والعزم والإصرار فقط لا تلتفتي لعراقيل الطريق، طريقنا وعرة للغاية واحتاج الى قوة
صبرك التي استطعتِ من خلالها احتمال كل ما مضى من حياتكِ، انتِ بحاجة اليها أكثر
اليوم وغداً حتى نحقق ما نريد.
- اشعر بأنك تثق بي أكثر من نفسي!
- لأني أرى ما لا ترينه انتِ.
- لا أستطيع التقدم نحو المجهول، سئمت العيش في
الظلام.
- حسناً اعدكِ ان أريكِ النور قريباً فقط ثقي بي.
- لم أشعر بالأمان من قبل كما اشعر به اليوم ولكن
ما زلت خائفة.
- لا تخافي فقط ثقي بي.
وبعد
شهرين فقط استطعت التخلص من الكثير من العقاقير والأدوية وأصبحت أكثر انتظاماً في
النوم والوقت والأفضل من ذلك التزامي الكامل بالصلوات وقراءة القرآن تلاشت تلك
الأفكار السوداء من ذاكرتي شيئاً فشيء ولم اعد اتوهم وجود أمور غريبة ولم اعد أرى
الأحلام المزعجة والكوابيس، تغيير رهيب في وقتٍ وجيز أصبحت أكثر ثقة بنفسي ولم اعد
أهاب المستقبل او أخاف خوض تجاربه، غداً سيكون اجمل بإذن الله.
في
مساء البارحة أخبروني بأني سأغادر العزل في الصباح.
- السلام عليكم.
- عليكم السلام، مرحباً د/ أحمد.
- سمعت اخباراً جميلة.
- نعم، سوف يسمحون لي بمغادرة زنزانة العزل بعد
خمسة أعوام، هل تعلم أنى سأشتاق اليها كثيراً؟
- تمزحين!
- كلا، انا لم أعيش في الأعلى سوى بضعة أيام وكنت
في حالة لا أحسد عليها اطلاقاً وبعدها حاولت الانتحار وأنزلوني الى هنا حتى الآن،
انا لا اعلم كيف سأخالط النزلاء هناك، ولكن هنا انا بمفردي لي كامل الحرية في فعل
ما اريد لست مجبرة على مراعات أي شخص اخر، كما انهم ليسوا عقلاء، لا اعلم كيف
سأتعايش معهم.
- لا بأس هي مدة قصيرة فقط وستخرجين بإذن الله
وسأكون بجانبك هناك.
- كم ستكون هذه المدة؟
- لا اعلم انتِ ستحددين هذا بمفردك.
- ان شاء الله.
صعدت
الى الأعلى ورأيت النزلاء، أحوالهم يرثى لها، عانوا من الحياة ورأوا ما الله به
عليم، لا اجزم بأني أفضل حالاً منهم جميعاً ولكن قد صدق القائل (من رأى مصيبة غيره
هانت لديه مصيبته).
كنت أتقدم
نحوهم بخطى بطيئة مترددة خائفة مما ستواجه ود/أحمد يحكي لي قصصهن.
معظمهن
فقدوا عقولهن إثر صدمات نفسية عنيفة.
- انظري الى هذه فقدت جميع ابناءها إثر اختناقهم
بالغاز، حين عادت من زيارتها لجارتها ذهلت بهول المصيبة ودخلت في حالة نفسية سيئة
حتى وصلت لهذه الحالة.
كانت
تجلس في الزاوية وتنظر حولها بخوف شديد وبين فينة وأخرى تدخل في نوبة بكاء.
- اما هذه لم تستطيع استيعاب أن عريسها الذي خرج
معها من قاعة الزفاف وكان يضحك معها منذ ثوانٍ قليلة يتحول امام عيناها الى قطع
لحم ممزقة على الطريق بعد حادث مروري شنيع.
كانت
تضع الغطاء الأبيض على رأسها وتنظر بجانبها وكأنها تراه حقاً، تبتسم وتضحك وتتمتم
بكلمات غير مفهومة.
- اما هذه فهي ابنت رجل أعمال كبير أدمنت الكحول
والمخدرات حتى وصلت لمرحلة الهلوسة وبعد ما كُشف امرها خشي أهلها الفضيحة وتخلى
عنها رفاق السوء لأنها لم تعد تجلب لهم المال فوجدت نفسها خسرت كل شيء واولها
نفسها وهذا المكان الوحيد الذي من الممكن أن يحتضنها.
كانت
تمسك بالمرآة والمشط وتمشط خصلات شعرها المبعثرة وتبتسم امام الجميع بثقة وترفع
رأسها عالياً.
رأيت
فتاة تبدو صغيرة في السن فصرخت دون شعور.
- وهذه ما بها؟ تبدو صغيرة.
- لم تتجاوز الثالثة عشر من عمرها خُطفت من قِبل
ضعاف النفوس الذين قاموا باغتصابها وتعنيفها بالضرب المبرح ولم تعد لحالتها
الطبيعية منذ ذلك الحين.
وغيرهن
الكثير والكثير مثل من طُلّقت وحُرمت من ابناءها، قصص وحكايات كثيرة قرأتها في
اعينهن وتصرفاتهن التي قد يجزم البعض بأنها عجيبة وغريبة ولكنها تحمل اسراراَ
عظيمة، هؤلاء هم الذين رحلوا عن الحياة حقاً ولن يعودوا اليها مجدداَ، كنت اغبطهم
وأتمنى لو أكون في مكانهم انا ايضاً لا يهم ما عانوه في الماضي فهم الآن في عالمٍ
مختلف أكثر أماناً من العالم الخارجي بمراحل، ليس يأساً ان اتحدث هكذا ولكن
الحقيقة والواقع هي من تفرض عليّ هذا، غداً سأرحل من هذا المكان ولكن لا اعلم اين
سأكون ولا الى اين سأذهب ولا كيف سأواجه المجتمع الخارجي.
الجزء
الثاني
عندما
يكون الموت دافعاً للحياة
لم
تطول مدة مكوثي في القسم العام بالمصحة النفسية، بعد يومين فقط حضر د/أحمد
لمقابلتي.
دخلت
الى المكتب وانا في قمة التوتر، حتى أنى لم أتكلم فقط دخلت بصمت رهيب أحاول قراءة
ما يريده في عينيه قبل ان ينطق به.
- مرحبا عائشة.
- مرحبا دكتور.
كانت
ابتسامته تبث الأمل كعادتها وعيناه تطلق نظرات السعادة.
- هناك اخبار سارة.
- ما هي؟
- تفضلي.
جلست
على طرف الكرسي وعيناي معلقة به ترتقب ما ينطق به من حروف.
- قدمت منذ يومين تقرير مفصل عن حالتكِ الآن
والإدارة قبلت قرار مغادرتك المصحة فوراً، تستطيعين بدء الحياة مجدداً في الخارج.
لا
اعلم بماذا شعرت وهو يتحدث كم تمنيت ان اغلق اذناي او اوقفه بأي طريقة ممكنه،
تلاشت لدي رغبتي السابقة ولهفتي لمعرفة ما يريد كم تمنيت ان يكون ذاك مجرد حلم
كباقي احلامي المزعجة، تمنيت حدوث أي شيء يغير مجرى الحديث.
لم
اجيب لأني لم أستطيع استيعاب الموقف.
- عائشة! ما بكِ؟
- لا شيء.
- اعلم انكِ لم تكوني بإنتظار هذه اللحظة بتاتاً
ولكن هذه المرحلة هي الأهم وهي الثمرة التي كنا ننوي قطفها منذ البداية.
- انت من نوى هذا بمفردك، انا ليس لدي أي رغبات
او اماني سوى تلك الأمنية التي ابت ان تتحقق رغم كل المحاولات.
- هل عدتِ للتفكير بها ثانيتاً.
فرغ
صبري حينها وارتفع صوتي بالجدال.
- عدت! انا لا أفكر بها انا اعيشها استنشقها
اراها امامي كل ثانية لا أستطيع تجاهلها، دكتور هل تدرك ماذا فعلت بي؟ اين اذهب
الى اين تريد مني الخروج الى اين؟ ابي نسي ان لديه فتاة على قيد الحياة، هل اذهب
الى زوجته؟ ام الى زوجي؟ الى اين اذهب؟ كيف سأعيش؟ ماذا تريد مني ان افعل؟ أخبرني!
لقد رويت لك القصة بأكملها، أين السرور في هذا الخبر، انت جعلتني اشعر بالحياة
مجدداً لماذا تدفعني الآن للموت؟ ليس لدي أي فرصة للحياة اليوم لا يوجد فرص.
- بلى لديك، وهي امامك الآن.
- ماذا تقصد.
- وعدتكِ منذ البداية ان أبقي بجانبك، تفرغت
لحالتكِ فقط وبقيت بجانبكِ طوال الوقت ارحل عندما تغرقين في النوم واعود قبل موعد
استيقاظك حتى لا تشعرين بغيابي، بذلت معكِ قصار جهدي وقضيت جل وقتي لم اخبئ عنك أي
مجهود او خبرات لدي، هل تعتقدين أنى فعلت كل هذا عبثاً؟!.
- بالطبع ليس كذلك، فأنت تريد ان تثبت للجميع أنك
نجحت في فعل مالم يستطع الكثير فعله.
- صحيح هذا بالتأكيد فخر اعتز به، ولقد قدمت لي
المصحة مكافأة مرتب إضافي ولي مصالح كثيرة ولهذا لا اريد ان يذهب كلما بذلناه من
جهد هباءًا منثورا، الآن علينا الخروج من هنا، اذهبي واحزمي امتعتكِ واستعدي
للمغادرة، سأبقى هنا بإنتظاركِ.
- الى اين سنذهب؟
- لا عليكِ الأمور على ما يرام.
- حسناً.
********
أخشى
المُضي نحو المجهول ولكن السبل جميعها تبدو مجهولة بالنسبة لي وعليّ المُضي وعليّ
الاستمرار رغم كل شيء، ها انا اخطي اول خطواتي نحو الحياة ها هو الموت يدفعني
للحياة من جديد لا اعلم الى أي اتجاه ستقودني قدماي بعد قليل ولا اعلم ماذا تخبئ
لي الحياة غداً ولكن عليّ المُضي.
توقفت
السيارة امام برج سكني.
نظر
اليّ وابتسم كعادته ابتسامة أمل.
- تفضلي.
- الى اين؟
- الى منزلك الجديد.
- دكتور.
- أحمد، أحمد فقط نحن لسنا في المصحة.
- كيف سأتمكن من العيش بمفردي هنا.
- سأكون جاركِ، لا عليك لا تبالي لشيء قلت لك
مسبقاً الأمور على ما يرام.
- شكراً لك.
وصلنا
الى الأعلى دون ان اتفوه بكلمة، في الحقيقة لا اعلم ماذا أقول لا اعلم كيف سأكافئك
يا أحمد على كل هذا، قراء تلك الكلمات المكتوبة في عيناي دون ان تنطقها شفتاي
ولكنه لم يجيب سوى بتلك الابتسامة المعتادة.
- وصلنا هذه شقتكِ وهذه شقتي، نحن جيران ويمكنكِ
طرق الباب واستدعائي في أي وقت، وهذا هاتف نقال دونت رقمي به يمكنك الاتصال ايضاً
متى أردتِ، الآن بدلي ثيابك ودعينا نذهب لتناول العشاء.
- اين سنذهب.
- في المطعم بالأسفل، إذا اردتِ البقاء هنا لا
مانع لدي.
- لا لا مشكله.
- حسناً تفضلي يا سيدتي.
الشقة
كانت جميله للغاية الديكور والاثاث كان رائع حقاً، شعرت كأنني احلم حين دخلتها،
تشبه القصر الصغير اثاث راقي وذوق رفيع وألوان زاهية، هل يعقل ان تكون هذه حقاً
شقتي ولو لوقت مؤقت، من الأفضل ان لا اطيل التفكير كثيرا في هذا الامر الآن.
ارتديت
ثيابي وخرجت وجدته ينتظرني بقرب الباب.
- يمكننا الذهاب؟
- فوراً، اريد ان اخبركِ امراً لن نكون بمفردنا
على العشاء.
- لم افهم.
- امي ستكون معنا ايضاً.
- هي تعلم بوجودي؟
- بالتأكيد اخبرتها عندكِ وهي سعيدة بالتعرف
عليكِ.
- جميل.
حين
دخلت المطعم كان هناك امرأة في السبعينات من عمرها محجبة تجلس بمفردها يبدو عليها
البشاشة ذلك اول انطباع حقيقي رسخ في ذهني حين رأيتها كنت اسير بجوار احمد تأخرت
عنه بخطوة واحده عند وصولنا الى طاولتها.
وقفت
ورحبت بمجيئي بابتسامة جميلة لم أستطيع نسيانها حتى اليوم.
- مرحباً اهلا وسهلا بكِ يا ابنتي.
- شكراً لكِ.
- تفضلوا.
لم
اشعر بالوحشة في وجودهم لم اشعر بأنها المرة الأولى التي اجلس فيها في مكان عام مع
اشخاص لا تربطني بهم أي صلة، تبادلنا أحاديث جميله وهادئة كانت الضحكات تتخللها
كثيراً والدعابة حاضرة دائماً، وفي نهاية الأمسية.
- استمتعت كثيراً معكم، اشكركم على كل شيء.
- لا داعي للشكر يا ابنتي، انتِ من اليوم ابنتي
مثل احمد تماماً لا داعي للرسميات بيننا ابداً.
- وانا سعيدة بهذا حقاَ.
وبعد
ان ذهبت، نظر اليّ احمد بحزم وقال بلهجة جاده.
- عليك النوم فوراً، من الغد ستباشرين العمل
الجديد.
- ماذا؟
- كما سمعتي، لا مجال للإعتراض، هيا بنا الى
الأعلى.
ونحن
نسير اخذنا نكمل ما تبقى من الأحاديث.
- حسناً ولكن ما هو العمل؟
- اخواني الاثنان افتتحوا مشروعاً صغير أحدهم
محامٍ والآخر مهندس هما شريكان أحدهما للعمل والآخر للأمور القانونية، المهم في
الامر انهما بحاجة الى موظفون ثقات سنذهب إليهم غداً ونرى ماذا تستطيعين القيام
به، في الحقيقة سأكون مطمئناً لبقائكِ هناك ولكن الموافقة الأخيرة لكِ.
- موافقة ماذا!! من سيدفع مصاريف هذه الشقة او
الطعام والشراب؟ من سيقوم بدفع المصاريف كلها في الأيام المقبلة؟ احمد انت
بالتأكيد لن تقصر معي ولكن هذا كثير بالنسبة لي كثير جداً ولا يمكنني القبول
بالمزيد.
- عائشة اسمعيني جيداً، لا اريد سماع هذا الكلام
مجدداً، صدقيني انا لا اقدم لكِ أي شيء انا اعطي نفسي فقط، هل اخبرك امراً قد لا
تصدقيه.
- ماذا؟
- امي التي رأيتها منذ قليل.
- ما بها؟
- ليست امي الحقيقية.
- كيف؟
- انا أقول لكِ، القصة طويلة ولكن يجب ان تعرفيها
فهذا أفضل.
- اسمعك.
- انا لقيط مجهول الهوية لا اعرف من يكون ابي او
امي او حتى اسمي الحقيقي انا لا اعرف من أكون وكذلك اخوتي، اما تلك المرأة فهي
كانت مربيتي في الملجأ (دار الأيتام مجهولون الهوية)، حينما كبرنا وخرجنا من الدار
افتقدناها كثيراً، انا واخواني قررنا البحث عنها وحين وجدناها تمسكنا بها بكل ما
أوتينا من قوه، هي من ربتني تعلمت منها الكثير وأكثر مما تتخيلين بكثير، اظن بأني
لو كنت بقرب امي لما فعلت من أجلى كما فعلت هي.
- جميل.
- نعم جميل جداً، في الحقيقة هي ايضاً مثلنا،
تربت في الملجأ ولم تخرج منه بقيت تعمل فيه بعد ان كبرت ومضت أيام عمرها هناك، هي تسكن
الآن معنا في بيتنا الكبير، انا واخواني ثلاثة انا كما ترين والاثنان المتبقين
ستتعرفين عليهم غداً لديهم في المكتب خالد وحسام آمل ان يروق لك العمل معهم.
- أي ان لديك بيت غير هذه الشقة؟
- بالتأكيد، أحببت ان أكون بقربكِ هنا هذا أفضل.
- ان شاء الله، اشكرك كثيراً لم يعد لدي الرهبة
من الغد أتوقع أني سأكون بخير بقربكم أنتم عائلة رائعة حقاً.
- ما زال الوقت باكرا على هذا غداً سيتضح لكِ كل
شيء.
- ان شاء الله.
...
في
اليوم التالي في المكتب.
لا أستطيع
وصف حجم الرهبة التي كنت اشعر بها وانا احث الخطى نحو اول وظيفة لي في الحياة لم أجرب
من قبل ان اعمل كموظفة باي شكل او أي مجال، هل سيقبلون بي وماذا أستطيع ان اعمل
وانا لا املك الخبرة في شيء لا اعرف كيف استخدم الحاسوب ولا امتلك أي لغات على
الاطلاق، كنت متوترة للغاية كنت قلقة بشأن كل شيء.
وصلنا
الان عليّ الثبات والثقة بنفسي كما علمني احمد.
- اهلا بكم، أ/ خالد و أ/ حسام ينتظرونكم في
الداخل.
- شكراً لك.
نظر
اليّ وابتسم، لا اخفيكم سراً عن مدى ارتياحي بمجرد ابتسامة احمد اشعر بالأمان
والارتياح فور رؤيتها.
- ادخلي بثبات وكلكِ ثقة بنفسك فهذه أعظم ثروة
تمتلكينها.
- لا تقلق انا على ما يرام.
- وانا اثق بهذا، هيا بنا.
دخلنا
الى المكتب وكان الاثنان بانتظارنا، أحدهما يجلس خلف المكتب والأخر على جانبه
الأيمن نهضا يرحبان بنا، صافحهما احمد ثم أشار اليّ بالجلوس.
- عائشة، هذا اخي حسام وهذا خالد.
- تشرفت بمعرفتكما.
نظر
اليّ خالد بحزم.
- ماهي مؤهلاتك التعليمية؟
- في الحقيقة انا لم أكمل تعليمي وصلت الى
المرحلة الثانوية وخرجت من المدرسة قبل انهائها.
- هل التحقتِ من قبل بدورات لتعليم اللغات او
الحاسوب.
- كلا.
تدخل
حسام بسخرية.
- هل تجيدين صنع الشاي والقهوة؟
اجبت
بثبات.
- نعم اجيدها.
- وماذا عن بعض الحلوى والمعجنات.
- سأحاول فعل كل ما يجب عليّ فعله كن متأكداً من
هذا.
- وانا متأكد بالفعل.
فرغ
صبر احمد وصرخ عالياً.
- عائشة اخرجي وانتظريني في الخارج؟
- حسناً.
خرجت
بهدوء وبقيت بقرب الباب ولأن أصواتهم كانت عالية جداً سمعتها بوضوح.
- يمكنك ان تشرح لي ماذا فعلت يا أستاذ حسام؟
- ماذا فعلت؟ اهملت والدتي من اجل فتاة مجنونة
حتى أهلها رفضوا الاعتراف بها، لا تنسى يا احمد لن اسامحك ابداً على ما فعلت.
- انا لم أهمل والدتي وانت تعلم هذا.
- أمك التي ربتك طوال حياتها تعاني من مرض
ألزهايمر يا دكتور وانت تعرف جيداً ماذا يعنيه هذا المرض أمنا تموت امامنا وانت
تركض خلف نزواتك بجنون من الواضح ان المجانين قد اثروا على عقلك كثيراً.
- شكراً لك يا اخي، وانت يا خالد ليس لديك
استعداد على استقبالها لديك.
كان
قد انصرف حسام بانزعاج حتى انه لم يلتفت اليّ عند خروجه توجه الى الباب فوراً.
- بلى انا بحاجة ماسه لمديرة لمكتبي، من الأفضل
أولاً ان تبدأ دورة في تعلم الحاسوب وتتعرف على بعض التطبيقات والبرامج التي نحتاج
اليها ولكن يمكن قبولها فوراً وسأتولى تدريبها بنفسي، كما ترى ليس هناك الكثير من
الزبائن في المكتب.
- أسعدني هذا، انت تعلم ماذا تعني لي عائشة لذا
هي في امانتك الآن حافظ عليها جيداً.
- سيكون كل شيء على ما يرام لا تخاف.
خرج
احمد وخالد من المكتب، وقفت في مكاني حتى اقتربا مني.
- عائشة ستكونين من اليوم مديرة مكتبي اعلم انكِ
لا تمتلكين أي خبرات عن مكاتب المحاماة ولكن ستكون هذه اول خبراتك ان شاء الله،
سنبدأ العمل على الفور هل انت جاهزة.
- بالتأكيد.
- حسناً احتاج الى ان أبقى مع موظفتي بمفردنا لكي
نبدأ في العمل، أليس لديك عمل يا احمد؟
- يبدو ان وجودي أصبح غير مرغوب به الان إذاً
سأذهب الى امي لم اراها منذ ليلة البارحة.
- اعتني بها جيداً.
انصرف
احمد وبدأت نبضات قلبي تزداد، في الحقيقة لابد ان اعتمد على ذاتي واستمد الامن من
داخلي وليس من أحدهم.
خالد
كان لطيفاً معي لم يضايقني ابداً صحيح انه جاد في تصرفاته وحازم ولكنه ليس قاسٍ او
فض ابداً.
- هيا نبدأ، مهمتك الأولى الاعتناء بالمواعيد
ومراقبة الهاتف والتعامل مع زبائن المكتب ومراجعيه لن يكون لديك حاجة الى معرفة
أشياء أخرى، يمكنك الاعتناء بهذا الامر في البداية عن طريق القلم والورقة حتى
تعتادين على استخدام الحاسوب في أوقات فراغنا يمكنني تعليمك بعض الدروس للتعامل مع
الحاسوب والتطبيقات التي نحتاجها ويمكنك ان أحببت الالتحاق بمعهد يقيم دورات
تدريبية لهذا.
- لا يمكنني رفض أي شيء تأمرني به، سأفعل كل ما
بوسعي لأنال على رضاكم ان شاء الله.
- يسعدني هذا، هيا بنا لأريكِ مكتبك.
...
انتهى
اول يوم وظيفي لا أستطيع الجزم بجماله الا انه جيد الى حدٍ ما، أوصلني خالد الى
البرج السكني حيث كان احمد ينتظرني في المطعم على طاولة العشاء.
- كيف كان يومك؟
- جيد.
- حقاً.
- نعم.
- كيف كان خالد.
- مدير رائع.
- ولكنه جديّ للغاية، لم أتوقع ما حدث اليوم.
- لم افهم؟
- حسام في الحقيقة اعتقدت انه هو من سيقوم
بتوظيفك وليس خالد.
- يبدو حاد للغاية.
- كلا الأمور ليست كما تبدو حسام عاطفي وحنون
بشكل يفوق التخيل هو اطيب قلب بيننا ولكنه في الوقت نفسه عصبي عندما يلامس عواطفه
أي سوء.
- لماذا فعلت هذا يا احمد؟
- ماذا فعلت؟
- لماذا اهملت والدتك من أجلي؟
- لم أهملها هي ما زالت في مرحلة مبكرة من المرض
تطورات المرض لديها جداً بطيئة واحمد الله على هذا.
- حسناً.
- اما الأمور الأخرى.
- لا داعي لأن تكمل دعنا نغير هذا الموضوع لا
حاجة لدي لما تبقى.
- كما تريدين.
أنهينا
العشاء وانصرف كل واحد منا الى شقته، وما ان استلقيت على السرير بإعياء وأطلقت نظري
الى سقف الغرفة حتى عادت جميع الذكريات كشريط فيديو يعرض الان امام عيناي حياتي
بأكملها منذ البداية حتى اليوم، أتساءل لماذا أجد دائماً من يكرهني او لا يتقبلني؟
هل هذا امر طبيعي؟ ماذا لو كان احمد حقاً معجب بي لم أفكر للحظة بهذا رغم كل ما
فعل من أجلي، هل هذا امر محال؟ لقد راءاني في أكثر مراحل حياتي انكساراً يعرف عني
كل شيء لا يعقل انه معجب بي لا اريد ان أتوقع هذا ولو من باب الافتراض.
طلع
الفجر قبل ان أتمكن من النوم.
سمعت
جرس الهاتف النقال، بالتأكيد هذا هو كعادته عند كل صلاة.
- مرحبا.
- اهلا بكِ، لا يبدو على صوتكِ النوم.
- كيف عرفت؟
- لا اعلم شعرت بهذا.
- نعم لم أستطيع النوم.
- هل هناك مكروه؟
- كلا الأمور على ما يرام.
- إذاً بعد الصلاة التقي بكِ على طاولة الإفطار
بالأسفل.
- ان شاء الله.
لماذا
أصبحت اشعر بشيء غريب عندما اتحدث مع احمد؟ اشعر بان قلبي يريد الخروج من صدري من
شدة نبضاته وسرعتها، ما قيل بالأمس لابد ان ينُسى هذا أمرٌ محال لابد ان اقتنع.
..............
على
طاولة الإفطار.
حاول
كثيرا ان يعلم ما الذي يشغل فكري ولكن لم أستطيع اجابته على أي شيء رغم إلحاحه
الشديد حاولت التهرب منه بحجج واهيه، ولكن كان هناك سؤال لم أستطيع الهروب منه لم
يكن السؤال من احمد بل كان من داخلي، ما الذي يجعل احمد يفعل معي كل هذا دون
مقابل؟
- عائشة، ما بكِ؟ لا تريدين ان تقولي أي شيء ولا
تستطيعين ايضاً إخفاء أي شيء ماذا يجول في بالكِ؟ أخبريني.
- لا شيء يقال صدقني.
- حسناً كما تحبين.
- هل انهيت طعامك؟
- نعم، هيا بنا حتى لا أتأخر على خالد.
- هيا بنا.
..........
في
المكتب.
دخل
خالد المكتب فتفاجئ بوجودي مبكراً قال بسرور.
- لم اصدق حينما أخبروني بمجيئك يبدو ان لدي
موظفة رائعة جداً.
- شكرا لك.
- ماذا لدينا اليوم؟
- هناك موعدان فقط أحدهما بعد ساعة والآخر بعد
ساعتين ويوجد لديك جلسة في الظهيرة.
- جيد لدينا وقت كافٍ للتدريب، هل انتِ مستعدة؟
- بالتأكيد.
- جيد، هيا بنا.
..................
في
الظهيرة.
كان
قد حزم امتعته للخروج.
- هل تودين البقاء هنا؟
- نعم اريد اكمال التدريب.
- وماذا عن الغداء؟
- سيوصلونه الى هنا.
- حسناً إذاً استودعك الله اعتني بنفسك.
- شكراً لك.
بعد
انصرافه بدقائق معدودة كنت اواصل التدريب على البرنامج الرسمي لتطبيق المكتب في
تنظيم المواعيد واوقات الجلسات في المحكمة ونظام المراسلات مع المراجعين، دخل حسام
دون ان يطرق الباب.
وقفت
بهدوء وبقيت صامته حتى دنا من المكتب قليلاً.
- خالد هنا؟
- خرج منذ دقائق.
- اعلم، رأيته عندما خرج.
جلس
على الكرسي امام المكتب، اما انا بقيت على الحال ذاته لم افعل أي شيء.
- اسمعيني جيداً، احمد ليس كما تظنين، ليس ساذجاً
او مغفلاً لهذه الدرجة، رفقاً بنفسكِ لا تصدقي الاحلام التي تجول في مخيلتكِ، في الحقيقة
انتِ تثيرين الشفقة كثيراً عندما تفعلين هذا.
- هذا كل ما اردت قوله؟
- هل تحتاجين الى المزيد؟
- أتمنى ان تقول كل ما لديك بسرعه وتدعني أكمل
عملي.
- يبدو انكِ موظفة نجيبه تحرص على اكمال عملها
بأفضل صورة، انتِ تعلمين ان خالد لم يوظفكِ هنا الا من اجل احمد وليس لخبراتك
الخارقة في مجال السكرتاريا انتِ هنا لمجرد المجاملة لا أكثر.
- ماذا تستفيد عندما تسمعني هذه الكلمات؟ حقاً
انا لا افهمك! انا مجرد حالة قام د/احمد بعلاجها ونجح في ذلك بل قدمت اليه المصحة
مرتب إضافي واحبب ان يكمل جميله، وما يجب ان تعرفة جيداً أني لن اقبل من احمد أي
مساعده دون ان اقدم له مقابلاً لها.
ضحك
بسخرية.
- كفاك تظاهراً بالشرف والعِفّة.
- يبدو ان حوارنا عقيم وانا لا أستطيع اكمال هذا
الحوار الآن، اعتذر عن استقبالك في مكتبي.
- تطرديني من مكتبي! هذا المكان ملك لي، انتِ من
تخرجين من هنا.
- انا لا اعمل في مكتبك ولا تحت سلطتك وهذا مكتبي
الوظيفي ومن الطبيعي جداً ان اختار من يمكنني استضافته اثناء أداء عملي.
- حسناً انا ذاهب ولكن، اعدكِ ستندمين.
- شكراً لك.
خرج
واغلق الباب خلفه بقوة.
اما
انا انتابتني نوبة بكاء شديده لم أستطيع إيقاف نفسي انهرت كثيراً وانا أتذكر
كلماته، انا لست كذلك ولا اسمح لمخلوق ان ينظر اليّ هذه النظرة الدونية ولكن
الظروف هي من اجبرتني على كل شيء، يا إلهي انت اعلم بما تُسِرّه نفسي وانت وحدك
ملاذي فلا تكلني الى غيرك يا رب.
سمعت
طرقات على الباب، مسحت دموعي وحاولت حبس عبراتي، انه احمد.
- مرحباً كيف حال جارتي؟
- اهلا بك.
لاحظ
ملامح التعاسة على وجهي.
- ما بكِ هل حصل شيء؟
- كلا انا على ما يرام، لا شيء مهم.
- ماذا حدث؟ لماذا كل هذه الدموع؟
- لا شيء فقط تذكرت شيء في الماضي ولم أستطيع
تمالك نفسي لا تقلق.
- أخبرني خالد انه في الخارج وانك لن تعودي الى
البيت فأحببت ان اتي لأشارككِ الغداء لم اتوقع ان اجدك في هذه الحالة.
- أي حاله؟ انا على ما يرام ماذا تريد على الغداء
الان اطلب لك من أفضل مطعم.
- أتمنى هذا، وأتمنى ان نبقى كما كنا أصدقاء
صادقين مع بعضنا البعض وأي شيء يغضبكِ او يزعجكِ يمكنكِ اخباري به.
- ان شاء الله، ولكن ليس هناك شيء يحكى والا قلته
لك دون تردد.
- حقاً؟
- بالتأكيد، الآن أستطيع الطلب ماذا تحبين ان
تتغدي؟
- لا ارغب في شيء محدد يمكنك الطلب على ذوقك.
- جميل.
...............
في
الليل كالعادة عدنا الى المنزل وتناولنا العشاء في مطعم البرج وعاد كل واحدٍ منا
الى شقته، وماذا بعد ماذا ينتظرني في الغد؟
لا
شيء جديد، هذه حالتنا في كل يوم أنام واصحوا اذهب الى العمل ويلقي علي حسام بعض
الشتائم واعود الى المنزل ليلاً، لا شيء جديد في كل يوم أتعلم بشكل أفضل وأرى
الشفقة والمجاملة في جميع تصرفات خالد، في كل يوم أتناول مع أحمد وجبات الإفطار
والغداء والعشاء ولازال يوصلني الى الدوام ومن الدوام الى البرج، لا جديد فأنا ما
زلت جارته وصديقته وفقط لا أكثر من هذا.
بعد ما يقارب الشهرين عدنا الى المنزل ليلاً وفي
الساعة الثالثة فجراً رن هاتفي النقال. عسى ان يكون خيراً، انه احمد.
- مرحبا احمد.
- اعتذر عن ازعاجكِ.
- لا بأس، ما بك؟
- احتاج للحديث معكِ هل يمكنني رؤيتكِ؟
- الآن! حسناً، خمس دقائق واكون جاهزة.
- سأكون بإنتظارك في السيارة.
ارتديت
ملابسي على عجل ونزلت الى السيارة، وجدته هناك ينتظرني، هذه اول مره يطلب احمد
التحدث اليّ، عسى ان يكون خيراً.
- صباح الخير.
- صباح النور، اعتذر عن.
- لا عليك، منذ متى نعتذر لبعضنا البعض ألسنا
أصدقاء؟
- بلى أصدقاء.
إذاً
تحدث واخرج لي ما في جعبتك يا دكتور.
كان
يتحدث بشجن ويئس ونبرات صوته ترتجف، نظر الى الأرض وأخذ يتحدث برويه.
- هذه اول مره اتحدث فيها عن هذا الموضوع، لا
اعلم لماذا الآن ولماذا اتحدث فيه معكِ انتِ، لم اعد احتمل يا عائشة لم اعد احتمل
أي شيء.
- حتى الآن لم افهم عن ماذا تود الحديث ما هذا
الموضوع؟
- انا لم أستطيع نسيانها حتى الآن، لم اشعر بأني
احببتها لهذا الحد قبل ان ترتبط بزوجها الأحمق، اما الآن فلا احتمل رؤيتها معه،
عائشة هي ليست مرتاحة معه، ليست سعيدة بقربة، دائماً تشكو منه، ولا أحد ينصفها لا
احتمل رؤيتها هكذا دون ان افعل أي شيء من اجلها اشعر وكأني مكتوف اليدين امامها.
زاد
توتره كثيراً فحاولت ان اهدئ من روعه، رغم أني كنت اشعر برماح تُغرس في قلبي.
- اهدئ ارجوك كل شيء سيكون على ما يرام، لا تضعف.
- انا حقاً ضعيف وجبان، خشيت من مواجهتها بمشاعري
منذ البداية والآن كل شيء ضاع من يدي ولا أستطيع فعل أي شيء لها.
- وماذا عساك ان تفعل، انت رجل غريب بالنسبة لهما
ولا اظن بأنه يمكنك التدخل في شيء.
- لا اعلم ولكن انا المخطئ منذ البداية انا من
عليه تحمل كل شيء وليس هي.
- لا تجعل مشاعرك عائقاً امام عقلك، فكر بالأمر
بمنطقية، لا يحق لك فعل اي شيء.
- ولكن لا أستطيع أن أبقى هكذا.
- هي وحدها تستطيع تحديد دورها إن كانت تريد أن
تلعب دور الضحية او لا.
- مرّرتِ بظروف مقاربه.
- ومن هذا المنطلق اتحدث انا وحدي حددت مصيري.
….
في
العمل.
قابلني
حسام في الممر كعادته.
- أستاذة عائشة.
- نعم.
- هل تعلمين اين احمد الان؟
- أخبرني بأنه سيذهب الى المستشفى العام، لماذا؟
- نعم سيذهب الى الحب القديم.
- وما شأني انا.
- لا شأن لكِ، اسمعيني جيداً لا احد يعرف احمد
أكثر مني، احمد كالذئب والذئب لا يهرول عبثاً، ولكِ حرية الفهم.
- الى ماذا تريد ان تصل؟
- لا اريد الوصول الى مكان.
- دائماً تحاول اثارة شكوكي في احمد، تحاول
اقناعي بأنه انسان استغلالي انتهازي لا يمد الى الشرف بأي صله وماذا بعد؟
- احمد اخي وغدا ستدركين ان الحق معي.
- انا لم اتربى مع احمد ولم اعرفه منذ زمن بعيد
قد لا تتعدى مدة معرفتي به سوى ستة أشهر او اقل ولكن لا أستطيع تصديقك فيما تقول
فأنت في السابق قد ألقيت عليّ اضعاف هذه التهم.
- إذا كان هذا هو قراركِ الأخير فلن أعود للحديث
معك في هذا الامر مرة أخرى.
- سيكون هذا أفضل.
...
على
سفرة العشاء.
- ما بك؟
- لا شيء.
- من الواضح انه حدث معك أمر غير جيد، إذا كنت لا
تريد التحدث فلن أسألك ثانيتاً كما تحب.
- ذهبت اليها، وجدته يصرخ في وجهها لم اتمالك اعصابي
وقمت بالجدال معه حتى أني ضربته.
- ماذا؟
- أعلم أني أخطأت ولكن لم يكن عليها فعل ما فعلت.
- ماذا فعلت؟
- قالت لي لا دخل لي في حياتها تريد مني ان ادعها
وشأنها ولا اقترب من حياتها أو بالأوضح لا أدمرها.
- توقعت هذا ألم اخبرك من قبل أن القرار بيدها
هي.
- لا أصدق ما فعلت لا أستطيع أن اصدق انها هي من
كانت امامي منذ قليل.
- من
الصعب علينا تصديق بعض الأمور ولكن علينا فعل ذلك على أي حال.
انزل
رأسه ليخفي دموعه.
- ارفع رأسك فالحياة ما زالت امامك لم تنتهي بعد،
هذه قصه وستعيش غيرها بالتأكيد لن يتوقف الامر هنا.
- تريدين مني نسيان كل شيء.
- لم يحدث بينكما شيء حسب ما قلت لي، ما حدث كان
في مخيلتك انت فقط انت من عشت هذا بمفردك.
- حب من طرف واحد، وهي ايضاً تحبه من طرف واحد اليوم رأيت هذا الشيء.
- المهم ان هذه الصفحة ستطوى الى الابد ولن
تفتحها ثانيتاً حتى مع نفسك.
...
وصل
احمد اتصال هاتفي.
- كيف حالك؟
- بخير.
- ماذا حدث على الاتفاق هل الأمور تجري على ما
يرام.
- نعم، كما اوصيتني.
- حسناً الآن عليك فعل شيء مختلف قليلاً.
- ما هو؟
- عليك اعادتها الى أبو ظبي.
- كيف ذلك؟
- في الحقيقة الامر صعب ويحتاج الى بعض التضحية.
- تعلم أني بإمكاني التضحية بكل الوقت والجهد في
سبيل إتمام هذه المهمة.
- لا لا الامر مختلف هذه المرة، الأوضاع حرجة
بالنسبة للفتاة في أبو ظبي ولذلك من المفترض ان لا تذهب بمفردها اريد منك مرافقتها
الى أبو ظبي.
- لا مشكلة في هذا.
- لا يجب ان ترافقها كصديق لأن الأمور ستزداد
سوءًا هكذا.
- كيف سأرافقها إذاً؟
- كزوج سوري على الورق فقط حتى تستقر الأمور.
- هل جننت؟
- بل انت من جنّ هل تعلم مع من تتحدث؟
- نعم اعلم، ولكن ليس من الممكن فعل هذا، لن
توافق عائشة.
- هذه مهمتك.
- أخشى أن تزداد الأمور تعقيداً.
- لن يحدث أي شيء لا عليك.
- حسناً.
- سأكون في دبي غداً وسأكون بإنتظارك بعد ان تتفق
معها على الزواج، لأبارك لك.
...
في
العمل على الغداء.
- توقفي عن العمل قليلاً، انتِ تعملين وتأكلين
وتتحدثين في نفس الوقت.
- قل ما لديك.
- الى متى ستبقين على هذا الحال؟
- أي حال؟
- هكذا لا تعلمين أي شيء عن أبو ظبي ولا عن اهلك.
- ماذا تقصد؟
- عليك العودة الى هناك، عليك الاعتذار الى والدك
وإصلاح اوضاعك معه.
- ابي برأ مني وألقاني في مصحة للمجانين انا في
نظر ابي فاجرة كيف تريد مني اصلاح الأمور معه بالله عليك.
- ولكن انا أفكر في حل.
- وما الحل يا عبقري.
- ما رأيك ان تتزوجي وتذهبي اليه وانتِ متزوجه
بالطبع لن يتعامل معكِ بفضاضه.
- ههه اتزوج! لا مستحيل، ومن سيقبل بمثلي؟
- ستجدين من يقبل ولو بشكل سوري على الأوراق امام
اباكِ فقط.
- سوري! انت تفاجأني من اين لك هذه الأفكار.
- اريد المساعدة.
- ومن هذا الذي سيقبل؟
- انا اقبل.
- نعم فهمت هذا ما اردته إذاً.
- ما اردته! ماذا تقصدين؟
- هذا هو المقابل الذي كنت أتساءل دائماً ماذا
سيكون.
- عن أي مقابل تتحدثين هذه خطه حتى تصلح الأمور
بينك وبين ابيك.
- وانا لست موافقه على هذه الخطة السخيفة وليس
لدي أي رغبة في العودة الى ابي.
- حسناً لا تغضبين ولكن فكري بالأمر.
- بماذا تريد ان أفكر؟ بكلام حسام، أو بخطتك او
بماذا تريد مني ان اتزوجك على الورق كان حسام على حق رغم أني كذّبته قلت لا ولكن
كان معه الحق.
- ماذا قال حسام؟ صدقيني انا لا افهم أي شيء مما
تقولين.
- شكراً لك على كل شيء لكن اعتذر ما تصبوا اليه
صعب للغاية ولا يمكنك الوصول اليه.
...
خرج
من مكتبي لمكتب حسام.
- ماذا تريد مني انت؟
- ما بك احمد؟
- لماذا تفعل هذا بي؟
- لم افعل أي شيء اردت أن ايقظك من منامك.
- أي منام.
- أنت آلة في يد ذلك الوغد يحركك كيف شاء لا تعرف
أي شيء عن نواياه او أهدافه.
- وماذا تعرف عنها انت؟
- انت لا تعرف من يكون ربما لو عرفت ستفهم يا
غبي.
- من يكون؟
- طليقها.
- هل انت جاد؟
- وهل في الامر هزل؟
- دع الامر عليّ.
...
ذهب
الى خالد في الفندق.
- مرحبا.
- اهلا بك.
- تفضل، أرجو أن تكون جلبت معك اخبار جيده.
- سأخبرك فقط إن اخبرتني انت ماذا تريد منها؟
- لا شيء هي تهمني فقط.
- تهمك! من أي النواحي؟ خالد لم تخبرني بإسمك
الحقيقي ولم تخبرني من قبل انك طليقها ولم تقدم لي أي معلومات تجعلني افهم ماذا
تريد منها، لم اشعر من قبل بحماقتي كما هو الحال اليوم.
- ماذا تقصد؟ انت هنا من اجل ان تقوم بعملك فقط
طالما اني اقدم لك المال اذا عليك العمل دون أي اعتراض.
- الأمور بهذه البساطة اذا!
- نعم.
- حسناً لا اريد منك المال ولا اريد منك أي شيء
فقط كف أذاك عنا وانسى امر هذه الفتاة.
- اذا اردت ان تطاع فأطلب المستطاع، ما تطلبه
اقرب للمستحيل.
- حقاً، اذا الحرب بيننا صدقني سأفعل المستحيل
لكي احميها منك ولن تتمكن من ايذائها.
- سنرى.
...
مضى
أسبوع كامل واحمد مفقود لا اعلم اين هو ولا ماذا يفعل هاتفه مغلق واخباره منقطعة.
وفي
الصباح اخذت اتصفح الصحف الالكترونية فتفاجأت.
خبر
عاجل: انتحار امرأة إماراتية من فندق سكني، إذ ألقت نفسها من الطابق الحادي عشر
ولم تكن تلك المرة الأولى لمحاولة الانتحار فقد حاولت فعلها سابقاً سبع مرات
وأثبتت مصار موثوقة انها تعاني من اكتأب حاد ولم تتعدى مدة خروجها من المصحة
النفسية الا ثلاثة أشهر أو اقل، نسأل الله ان يتغمدها بواسع رحمته وانا لله وانا
اليه راجعون.
وبجانب
الخبر كانت صورة فتاة مغطاة بالدم بجانب فندق وتحت الصورة كان الاسم: عائشة يوسف
عيسى.
يا إلهي ما هذا؟
قبل
أن افهم أي شيء سمعت طرقات على الباب.
فتحت
الباب واذا بأحمد امامي.
- احمد! هل سمعت ما حدث؟
- نعم.
- من فعلها يا ترى؟ وما الذي دفعه لذلك؟ لقد
قتلوني.
- صمت برهة ثم قال:
- أنا من فعل هذا.
- ماذا تقصد؟
- اقصد ما سمعتيه، أنا من فعلها.
- فهمت، انت ما زلت غاضباً مني حتى الآن، حسناً
اسمعني فقط.
- لا لا حاجة لي بهذا أنا لست غاضباً، منكِ أتيت
فقط لأخذك من هنا.
- إلى أين سنذهب؟
- لابد أن نرحل من هذا المكان في أقرب وقت ممكن
حتى لا يعثرون عليك.
- ماذا تقصد؟ من هم؟
- ليس مهماً، الآن لا مجال للحديث، احزمي أمتعتك
وهيا بنا.
- حسناً.
…
- في السيارة.
- ثمة أمر لا افهمه، ما خطبك؟
- لا شيء لدي لقوله.
- ماذا حدث؟ إلى أين ذهبت؟ ماذا حل بك؟
- مد يده إلى الدرج وفتحه واخرج ورقة.
- هذا كل شيء.
- ما هذا؟
- شهادة وفاتك.
صرخت
في وجهه.
- ماذا تقول انت؟
- في أول يوم رأيتك فيه كانت هذه أمنيتك، اليوم
فعلت هذا لأفعل ما تريدينه انتِ وما تسعين للحصول عليه.
- تقصد أنك عاقبتني على سوء ظني بك بهذا التصرف،
قل إني مخطئه انت لست بهذه الحقارة، أليس كذلك؟
- اسمك من الآن أصبح روح أما عائشة فهي في عداد
الموتى الآن.
- لماذا فعلت هذا أخبرني، احمد انت الشخص الوحيد
الذي وثقت به في كل هذا العالم لماذا فعلت هذا؟
- في الحقيقة انتِ لم تثقي بشيء ولا بأي أحد
بتاتاً وليس خطئاً ما فعلتيه انتِ على حق لا أحد يستحق أن نثق به.
- وهل هذا هو الحل برأيك.
- نعم هذا هو أقرب الحلول.
- وماذا سيحدث بعد هذا.
- ستبقين في هذا المنزل لبضعة أيام ريثما أجد
منزلاً تسكنيه.
- احمد تحدث إلىّ بوضوح.
- هذا هو الباب، اطرقي الباب وستفتح لك أمي.
- أمك؟
- نعم ما بك؟
- إبقى هكذا لا تخبرني بشيء ولكن سأعرف كل شيء
شئت أم أبيت.
- حسناً أراك قريباً.
- احمد! أريد فهم ما يحدث لي وحولي، من فعل هذا
ولماذا أتخفي ولماذا لا تريد سماعي ولماذا قلت إنك انت ولماذا أبقى في بيت أمك
ماذا حل بحياتي يا احمد؟
- حسنا ولكن ليس الآن.
- لماذا؟
- عندما تعرفين ستعلمين لماذا.
- أكره هذه التصرفات وانت تعلم، لا تفعل هذا
ارجوك.
- ما الذي يقلقك؟
- أخبرني أنك لن تقف ضدي يوماً من الايام، عدني أنك
لن تتخلى عني في منتصف الطريق.
- حسناً أعدك لن أتخلى عنك ما حييت ولن أقف ضدك
يوماً من الأيام والآن هيا أمي بانتظارك.
- انت حقا لست غاضبا مني؟
ابتسم
ابتسامة هزمت كل الغضب الذي رسم على وجهه.
- لا لست غاضباً منكِ.
- ابتسامتك تؤكد ذلك، إذاً أخبرني ماذا حدث.
- يا إلهي تريدين أن تصلي إلى ما تريدين بأي
طريقه.
- نعم.
- أمي تعاني من مرض ألزهايمر بالطبع هذا المرض
ليس له دواء ولكن يوجد بعض الحلول التي تمكننا من الحد من أعراضه ولكنها مكلفة
للغاية.
- سأعتني بها لا تقلق.
- ليس هذا ما قصدته، أردت الحصول على المال بأي
طريقة كانت، وذات يوم التقيت برجل لا اعرف حتى ما اسمه الحقيقي اخبرني أن هناك
فتاة تخصه وهو مهتم لأمرها ويريد إخراجها من المصحة بأي ثمن، قررت أن أساعده، أولاً
سأقوم بعملي وأخذ المال كذلك، وقمت بما امرني به ونجحت في إخراجها واخذت المال وها
هي أمي بأحسن حال، لم افكر للحظة بان هذا الرجل لديه أي نوايا سيئة تجاهه الفتاة،
اليوم فقط عرفت ماذا يريد.
- وماذا يريد؟
- الانتقام.
- من هي الفتاة ومن هو الرجل؟
- خالد طليقك.
- لا اصدق، ماذا يريد ان يفعل أكثر من هذا؟ ألم
يرضيه كل ما حدث لي.
- لا اعلم كيف كنت أحمق فيما مضى من الوقت وصدقته
انه يريد مساعدتك وقمت بكل ما بوسعي، اليوم فقط اكتشفت انه يخدعني.
- حسناً اريد البقاء بمفردي إذا سمحت.
- كما تحبين ادخلي الى الحديقة وابقي بمفردك.
…
ما
ان تأكدت من ذهابه حتى اجهشت بالبكاء.
الآن
فقط شعرت حقا بأني ميته ليس لأن خالد يبحث عني ويريد النيل مني والانتقام، ولا لأن
الجميع اصبح يقر اني في عداد الموتى، انا ابكي على نفسي ابكي لأني تمنيت ان اكون
مخطئة وكل ما قاله حسام زيف وخداع ليبعدني عن عائلته كما قال، تمنيت ان احمد يفعل
هذا حقاً من اجلي وليس لمصالح أخرى تمنيت ان لا يكون هناك امرأة اخرى في حياته
سواي رغم يقيني بوجودها وصراحته الدائمة لي تمنيت المستحيل وتعلقت بتلك الأمنيات،
ابكي لأني حقاً احببته رغماً عني ابكي لأني تمنيت ان كل ما حدث لم يحدث تمنيت لو
اني بقيت اعاني بداخل المصحة ولم اعود للحياة مجددا انا حقاً ميته قد اتنفس ولكني
ارفض الحياة كما هي ترفضني.
…
دخل
الى صالة الجلوس وكان حسام بانتظاره هناك
- ماذا فعلت ايها المجنون.
- لن اسمح لأحد أن يأخذها مني او ان يمسها بأي
مكروه، فعلتها مره ولكن محال ان افعلها ثانية.
- ذاك شيء وهذا شيء اخر.
- جميعها متشابهة لا فروق كثيرة بالنسبة لي، حسام
عملت جاهدا لإفساد كل شيء، اشكرك على جهدك المبذول ولكن ارجوك توقف الى هنا.
…
شعرت
بقرع اقدام تتجه الى مسحت ادمعي وحاولت التماسك قليلا.
- انتِ هنا إذاً.
- حسام.
- نعم حسام.
- اريد ان اتحدث اليك قليلاً هل يمكنني فعل هذا؟
- تفضلي.
- اولاً شكراً لك.
- عائشة، لا تفعلي هذا.
- ماذا فعلت؟ انا اشكرك حقاً من اعماقي، قد لا
تكون حليف لي فيما مضى ولكنك لعبت دور العدو الصديق، انتهت المسرحية كان قبل دقائق
المشهد الاخير توفيت البطلة واغلق الستار صفق الجمهور ورحل ولم يتبقى سوى جثمانها
ملقى على تلك الخشبة.
- اعلم أني اخطأت بحقكِ كثيراً.
- لم يخطئ أحد أبداً أنا المخطئة الوحيدة حاولت
جاهداً ان ترشدني إلى الصواب دون جدوى كان كل شيء واضح منذ البداية ولكن انا من
رفض الاقتناع دائماً كنت أنت اصدق شخص قابلته في الآونة الاخيرة.
- إذا كنت حقا هكذا إذاً صدقيني الآن فيما
سأقوله.
- حسناً أخبرني ماذا لديك؟
- احمد يستحق الثقة أكثر مما تظنين لا تسيئي الظن
به بتاتاً ولا تفكري بالتخلي عنه لأنه لا يستحق هذا منكِ، غداً ستعرفين ماذا يعني
هذا الكلام ولكن اتمنى ان لا تفعلي امراً تندمين عليه.
- هذه المرة الاولى التي لا تفعل فيها اي شيء
يبعدني عن احمد، ما الامر؟
- كنت على خطأ والان عليّ اصلاح الخطأ.
- وانا من كنت مخطئه واتمنى ان تساعدني في
اصلاحه.
- وماذا أستطيع ان افعل؟
- فقط اخرجني من هنا.
- هل جننتِ؟
- كلا لقد عاد الي عقلي للتو.
- لا اظن هذا، طلبت منك ان لا تتخلي عنه، أخبريني
لماذا ترحلين.
- لأحتفظ بما تبقى من كرامتي.
- وما دخل الكرامة في الرحيل.
- حسام انت تفهم ماذا اقصد كفاك مجادلة وساعدني.
- مستحيل لا أستطيع.
- لماذا؟
- لا أستطيع وحسب.
- إذاً تخليت عني.
- لا لم اتخلى ولكن لا تفعلي هذا من اجلك ومن اجل
احمد.
- ان كنت فيما مضى تخشى على اخيك من المتاعب فما
سأخلفه الآن من المتاعب له أكبر بكثير مما مضى، أعطني سبب واحد فقط يجعلني أبقى.
- دعيه يدفع ثمن خطأه.
- احمد لم يخطئ انا من اساء فهمه فقط أخبرني منذ
البداية انه مستفيد من هذه الحكاية هو لم يخطئ انا من اخطأت.
…
بقيت
اسبوعان في ذلك المنزل، اغلقت على نفسي الباب وبقيت في غرفتي لا اكل في اليوم الا
ما يسد رمقي ويبقيني على قيد الحياة التعيسة فقط لا اريد ان ارى أحد او ان يراني أحد
امتنعت من كل شيء.
حتى
اتى احمد وقرر ان يتحدث معي.
- الى متى تريدين البقاء على هذا الحال؟
- الى ان تكف عن اجباري على الطعام وارتاح.
- عائشة.
- روح.
- حسناً روح كما تحبين، ليس هذا هو الحل الموت
ليس الحل الامثل لحالتك.
- صدقني لم اتمنى الموت أكثر من هذه الفترة رغم أني
حاولت الانتحار لسبع مرات لا اظن أني الان أفضل حالاً من ذلك الوقت.
- أخبريني فقط ماذا يدور في عقلك بما تفكرين؟
- لا شيء مهم فقط اريد ان اموت.
- لا تقولي هذا مجدداً ارجوك.
لم
أستطيع السيطرة على اعصابي حينها وبدأت في الصراخ.
- لا تقل بأنك ستحزن على وفاتي، احمد انا مجرد
عالة قد اكون افدتك في يوم من الايام ولكني اليوم لم اعد كذلك، انت لست مكلف بي
الان لماذا تبقيني في منزلك وتمنعني من الخروج منه لا افهم.
- تريدين الخروج من هنا! فقط أخبريني الى اين
ستذهبين؟
- لا عليك، لماذا تشعرني بأني تحت كنفك، دائما
تحاول التدخل في حياتي والسيطرة على تصرفاتي.
- اعتذر إذا كانت تصرفاتي تزعجك لهذا الحد ولكن
رغم هذا لن أستطيع السماح لكِ بإيذاء نفسك.
- وما دخلك انت؟ لست ابي ولا اخي ولا زوجي ولا
حتى حبيبي.
- معكِ حق ليس لي اي صلة قرابة بك ورغم هذا انا
وعدتك مسبقاً ان لا اتخلى عنك وانا حتى الآن عند وعدي.
- لماذا تفعل كل هذا فقط أخبرني لماذا؟ ألم تفعل
هذا من اجل أمك وقد حصلت على ما تريد أطلق صراحي.
- انا لم أحبس حريتك لأطلق صراحك ولكن انتِ
تريدين مني ان افعل ما لا أستطيع فعله.
- وهذا من منطلق ماذا اخلاق ومسؤولية.
- اظن بأن الامر أصبح أعظم من هذا بكثير، عائشة
كفى ارجوك.
- لدي ما افعله لذلك اريد الخروج.
- وماذا ستفعلين؟
- الجميع الان مقتنع بموتي ابدعت كل شيء الجثة
الحادثة القبر الشهادة، حسناً عائشة ماتت ولكن روح ولدت للتو وبحاجة لأن تعيش.
- بماذا تفكرين؟
- اريد النيل منهم جميعاً اريد استعادة حقوقي
فحسب لن أظلم أحدهم ولكن انا بحاجة لأن انتقم كي اعيش.
- الانتقام قد يضرك انتِ اولا.
- علي وعلى اعدائي لا يهم.
- هؤلاء اهلك.
- اعدائي.
- حسناً سأكون بجانبك.
- لا لا احتاجك بجانبي هذه المرة انا بحاجة لأن أقف
على قدماي بمفردي احتاج الى بعض الامور فقط وسأدفع لك كامل التكاليف.
- اتمنى لك ايام سعيدة لا تجلبي لنفسك المتاعب.
- اشكرك على ثقتك.
…
كانت
تجربة جديدة قدمت فيها الكثير من التنازلات في سبيل نجاحها.
زرت
صالون التجميل وقضيت ساعات طويلة في المجمعات التجارية لأبدو كامرأة أخرى.
خلعت
الحجاب وقصصت الشعر وصبغته على أحدث موضة غيرت من أسلوب ملابسي (جينزات ضيقه
وفساتين قصيرة كعوب عالية) تغيرت بالكامل حتى أني عندما أرى شكلي بالمرآه لا اشعر
بأني انا تلك.
وصلت
الى شركة خالد.
في
الاستقبال.
- مرحبا انا روح لدي موعد مع مدير مجلس ادارة
الشركة بخصوص التوظيف هل يمكنني مقابلته؟
- اهلا بك، دقيقة من فضلك.
- تفضلي.
وبعد
دقائق.
- نعم هو بإنتظارك.
….
طرقت
الباب.
- تفضل.
- حين رآني صُعق وهمس "عائشة"
تظاهرت
بالتعجب لحاله وقد كلفني هذا الموقف الكثير من التمثيل والتلاعب بتعابير وجهي.
- مرحبا.
لم
يجيب فقط بقي ينظر الى، فكررت.
- مرحبا.
كان
في عالم اخر.
- يبدو انك غير جاهز لمقابلتي! سأعود قريباً.
استدرت
باتجاه الباب للخروج.
- لا لا تذهبي، تفضلي.
- شكراً لك.
كان
يحاول ان يتكلم ولكن بتلعثم.
- إذاً انتِ هي التي احم، اتيتي بخصوص.
- انا التي تحدثت الى سكرتيرة مكتبك وقدمت على
وظيفة مديرة مكتبك واخبرتني أنك تريد ان تقوم انت بنفسك بالمقابلة لذا اتيت.
- ما اسمك؟
- روح، وهذا ملف فيه جميع معلوماتي وكذلك سجل
خبراتي.
اخذ
يتصفح الملف المزور بفضل احمد.
- جميل لديك خبرات جيده، مبارك.
- هل انت جاد؟ هكذا قبلتني!
- نعم.
- شكراً لك انا سعيدة جداً.
- يمكنك من الان استلام المكتب.
- حسناً.
…
بعد
عدة ايام.
- بعيداً عن العمل هل تصدقين بمقولة يخلق من
الشبه اربعين.
- لا اعلم.
- انتِ تشبهين احداهن.
- اوه لهذا وظفتني بسرعة؟
- لا ليس تماماً فخبراتك عامل مهم.
- حسناً من تكون؟
- طليقتي.
- لا اعتذر يبدو أنى ازعجتك.
- على العكس تماماً لقد اشتقت اليها كثيراً.
- هل ما زلت تحبها؟
- كثيراً.
- لماذا افترقتما إذاً.
- مشاكل عائلية، كنت أحمق لذلك طلقتها هذا كل ما أستطيع
قوله.
- كل المشاكل يمكننا حلها لماذا لا تعود اليها
وتخبرها بندمك بالتأكيد ستعود اليك، ما أراه في عينيك من الصدق في هذه اللحظة لا
يمكن لأنثى ان تتجاهله.
- هي أرق انثى رأتها عيني ولكن لم يعد هذا ممكن.
- هل تزوجت؟
- لا.
- ما المشكلة إذاً انا لا افهم.
- توفيت.
- انا اسفه، رحمها الله.
- آمين، العجيب أنى لم اشعر بفداحة ما فعلت الا
عندما تلقيت خبر وفاتها حينها ايقنت حقا أنى ظلمتها كثيراً.
- ادعو لها بالرحمة والمغفرة لا تعلم قد تكون
سامحتك قبل وفاتها.
- لم اتمكن من رؤيتها من ست سنين او أكثر ليتني
تمكنت من رؤيتها ولو لدقيقة واحده فقط قبل ان تهجرني وترحل.
- الندم لن يغير اي شيء ولكن الدعاء بإمكانه
التغيير.
- لدينا عمل كثير اليوم بإمكانك الذهاب الى عملك.
- حسناً.
….....
الساعة
الثانية ليلاً اتصل بي
- اعتذر على ازعاجك.
- لا لم أكن نائمة، هل حدث شيء؟
- كلا ولكن اردت الحديث معك قليلا.
- تفضل.
- اعتذر أني سأتحدث عنها ولكن من اللحظة الاولى
التي رأيتك فيها اصبحت لا أفكر بسواها منذ ما يقارب الشهر اتتني انباء وفاتها لم
اصدق بعد أنى لن اراها للابد ولكن رأيتها بك منذ ان دخلتي للمقابلة.
- قد تكون مواساة لك على فقدها بسبب وفائك لها.
- انا لا استحق ظلمتها كثيرا، حتى أني كنت انتقم
منها قبل وفاتها وقد أكون السبب فيها.
- لا افهم ماذا تقصد بالظلم والانتقام ولكن أعتقد
انك ما زلت متأثر وتبالغ في كلامك.
شعر
بأنه من المفترض ان يغلق الحديث.
- لا يهم، دعيك مني الان وأخبريني لماذا قدمتي
استقالتك من الشركة الاخيرة؟
- هي شركة رائعة حقا ولكن المرتب كان قليل ليس
مكافئ لما اقوم به من جهد.
- والمرتب المخصص لك هل ترينه مكافئ او لا؟
- بلى، ولكن حتى الان لم ابذل الكثير من الجهد
فلا اعلم بعد.
- اتمنى ان لا تضايقك تصرفاتي اعتذر عن ازعاجك.
- لا افهم لماذا تعتذر كثيراً صدقني لم تزعجني
بتاتاً.
- انا حقاً ممتناً اليك لقد أعدتِ اليّ حلمي
الضائع.
…..
بعد
اسبوع حدث مالم يكن في الحسبان، وصلت اخباري الى احمد وعرف كل ما اقوم به.
حضر
الى الشركة، حين رأيته كدت ان اجن.
دخل
الى مكتبي واغلق الباب.
- هل جننتِ ماذا تفعلين هنا؟ هذا ما اردتِ فعله
تركتني لتأتي الى خالد، خالد يا عائشة.
- اصمت، انا روح واعمل هنا مديرة مكتب رئيس مجلس
ادارة الشركة ارجوك أبقى هادئ لا تفعل هذا.
- نزعتي الحجاب وارتديتِ هذه الملابس السافرة لكي
تجذبي انتباهه ماذا عساك ان تفعلي تريدين ان تكسبي قلبه مجددا لتعودي اليه؟
- اخفض صوتك نحن في مقر عمل ليس الوقت المناسب
للنقاش.
- تخافين ان يسمع صوتي ويفضح الامر، تخافين ان
تخسريه ثانيتا كنت أحمق لم اعلم ان رغم ما فعلته من اجلك لن أصل الى قلبك وانه على
الرغم مما فعل بك لن يخرج من قلبك، الان احببتِ الحياة؟ الان لا تريدين الموت
تريدين الحياة بجانبه فقط، حسناً ابقي بجانبه وعيشي أجمل اللحظات.
- الان عليك الانصراف من هنا من فضلك احمد.
- هذا ما تمكنتِ من قوله؟ حسنا هنيئا لك.
سمعت
طرقات على الباب.
- تفضل.
- لديك ضيوف؟ رأيت الباب مغلق.
- أهلا أستاذ خالد كلا إنها السكرتيرة قامت بإغلاقه
فحسب، الأستاذ احمد أراد مقابلتك.
- الدكتور احمد، اعتذر عن مقابلتك لم يتبقى لدي
اي شيء لك يمكنك الخروج من شركتي ولا اسمح لك بالعودة إليها مجددا، روح أرجو أن
تصطحبي صاحبنا الى الباب.
- أعدك أن تندم على كل شيء.
- إذا كان بوسعك أن تفعل فافعل.
- ستندم هذا وعد.
بعد
أن خرج.
- من هذا؟ وماذا يقصد بأنك ستندم؟
- لا عليك مجرد هراء.
- حسناً.
خرج
خالد وبعد خروجه استنشقت نفساً عميق "يا الهي"
لقد
نجوت بأعجوبة ولكن هذا المغفل كيف سأتصرف معه، ليس لدي الكثير من الحلول لا يوجد
سوى المنقذ.
اتصلت
بحسام.
- الو.
- مرحبا حسام انا عائشة.
- أهلا ما بك؟ كيف حالكِ؟
- انا في مصيبة.
- ما الامر اين انتِ؟
- انا في العمل عليّ مقابلتك في موعد الغداء اين
اراك؟
- حددي المكان وسأكون هناك.
- حسناً.
…..
على
الغداء.
- تبدين جميلة، اين كنتِ تخفين كل هذا؟
- يا أحمق لم اتي بك الى هنا لهذا، أنقذني انت
الصديق الوحيد لدي الآن.
- ماذا فعلتي؟
- ذهبت لخالد.
- خالد اخي.
- وما دخل اخيك في الامر، حسام ارجوك ركز، خالد
طليقي فعلت كل هذا لأنتقم منه انا أمثل عليه دور روح التي تشبه عائشة لقد ابليت
بلاء حسنا في هذه المرة وصدق الكذبة ولم يكتشف امري.
- ما المصيبة إذاً؟
- احمد.
- ما به؟
- اكتشف الامر.
- لا! ماذا فعل؟
- بالطبع فسر الامور بشكل خاطئ وكان اول ضحايا
المسلسل.
- حياتك حقا اصبحت عباره عن مسرحيات ومسلسلات،
انتِ بطلة فاشله للغاية.
- اعلم أني حمقاء وخرقاء وكل ما اقوم به عبارة عن
حماقات ولكن ماذا عساي أن افعل.
- الآن لا شيء دعي الامور تسير كما خططتِ لها منذ
البداية احمد دعي امره لي إن علم بما تخططين له لن يسمح لك بالاستمرار ابداً لذلك
دعيه وأكملي ما بدأتي.
- هو يظن بأني أحب خالد ولهذا فعلت كل شيء ويرى
انه من المحال أن يصل الى قلبي رغم كل ما فعل.
- كلاكما حمقا، لا تحسنون فهم اي شيء ماذا افعل
لأقنعكما.
- أنا للتو أدركت انه حقا يحبني.
- وهو بقي أمامه الكثير ليدرك مشاعرك.
- ماذا افعل؟
- لا شيء قومي بما طلبت منك فقط.
- يا إلهي انظر من الذي اتى.
- من؟
- خالد.
- ماذا نفعل؟
- انت أخي.
- حسناً.
- السلام عليكم، روح صدفة جميله.
- وعليكم السلام، أعرفك أخي وهذا أستاذ خالد
مديري.
- تشرفت بمعرفتك.
- وأنا كذلك.
…...
كما
اعتدنا كل ليلة قبل أن ننام لابد أن يتصل بي.
- هل تعرفين احمد من قبل؟
- من احمد؟
- احمد الذي اتى الى الشركة اليوم.
- في الحقيقة اتى الى الشركة الكثيرون اليوم لا
اتذكر عن اي واحد منهم تتحدث.
- احمد الذي قمت بإخراجه من الشركة.
- نعم نعم تذكرت، ما قصة ذلك الرجل؟
- هل تعرفينه.
- كلا حتى أني قلت له أستاذ بدلا من دكتور.
- في الحقيقة هو عدو لي ولهذا تصرفت معه بهذا
الشكل.
- ماذا فعل لك؟
- سرق أجمل ما كنت املك.
- ماذا تقصد؟
- منعني من رؤيتها قبل أن تموت.
- هل يقربها؟ اخاها مثلا؟
- كلا انا من جعلته يتعرف عليها ثم سرقها مني.
- لم افهم ماذا فعلت.
- لا يهم قصة طويله ولكن لا اريد منك استقباله
ابدا لأنه لا يستحق.
- كما تأمر استاذي.
- كفاك تحدثا برسمية استاذي لم تعجبني يمكنك
ندائي بخالد.
- حسنا كما تحب.
- مهلاً اخبرتني سابقاً أنكِ تسكنين بمفردك ولكن
اليوم رأيتك مع اخاكِ.
- اه نعم اخي يسكن في دبي في الحقيقة هو ليس
شقيقي ليس لدي اشقاء وانما اخي من الرضاع.
- جميل هذه المرة الاولى التي التقي بها بأخوين
من الرضاعة.
- نعم كان ابن جيراننا وارضعته والدتي.
- واين والداك الان.
- رحمهما الله.
- اي أنك وحيده؟
- اخي لا يدعني هو جميع عائلتي.
- رائع.
…..
مرت
الأسابيع وتوطدت العلاقة بيني وبين خالد وازدادت المسافات بيني وبين احمد لم ارسم
اي نهايات ولم ابتذل في رؤيتي لتطور الاحداث رسالتي هي الانتقام فقط هذا كل ما
اعرفه وغايتي بررت لي جميع الوسائل حتى وان كانت معاصي لا تغتفر كذب وخداع ونزع
للحجاب وسفور وامور كثيره، لم أكن انا تلك شعرت بأني حقا اصبحت فتاة اخرى لا تمد
لي بصلة ابداً.
حتى
دخلت الى مكتب خالد ذات يوم ووجدته يبكي.
- ما بك؟ خالد هل تبكي؟
- حاول اخفاء وجهه عني ولكن دون جدوى فدموعه كانت
تنهمر بشده.
- أخبرني ما بك؟
- خالتي.
- ماذا حل بها؟
- هي تموت الآن تموت.
تزلزل
كياني بأكمله إنها زوجة ابي خالته الوحيدة.
- تريد الذهاب اليها؟
- كلا لا اريد رؤيتها تتعذب.
- هذه اللحظات لابد أن نعيشها جميعنا.
- لا اتحدث عن الموت هي تتعذب من المرض اصابها
السرطان وفتك بجسدها كله أهلكها.
- هذا قدرها ادعو الله لها.
- لن ينفعها دعائي هذا نصر الله لمن ظلمتهم هذا
عذاب ألا تفهمين؟
- حسنا ارجوك اهدئ المرض وبالأخص مرض الموت تكفير
للخطايا.
- هل يكفر القتل؟ هل يكفر السحر؟ هل يكفر الظلم؟
عن ماذا تتحدثين؟
- فقط بيدك الدعاء، هي بحاجة لكم بقربها الآن
مهما حدث.
- خديني اليها.
- حسنا.
….......
في
السيارة
خالتي
الوحيدة وأنا المدلل لها من بين اخوتي ابنها الذي لم تستطيع انجابه ولكن ماذا جنيت
من دلالها ظلمت الفتاة الوحيدة التي احببتها من اعماقي وكتمت ظلم خالتي لعائلتها
كالإمعة كنت اتبعها دون اي اعتراض ما تأمرني به اقوم بفعله المهم أن احصل على
المال وافعل ما اريد فقط.
- كل هذا أصبح ماضِ الآن خالتك تعاني هي بحاجة
لوقفتك بجانبها.
- تريدين مني مواساتها وأنا ارى نهايتي امام
عيناي.
- الندم توبه والتوبة تجب ما قبلها.
- ظلم البشر لا يجبه سوى القصاص يوم الحساب او
المسامحة في الدنيا ومن ظلمتها ماتت ولم تسامحني قبل وفاتها.
- ها نحن وصلنا ولكن لا يجب أن تراك خالتك هكذا.
- لا أستطيع.
- وأنا لا أستطيع الصعود معك للأعلى اصعد انت وكن
قويا عندما تنتهي ستجدني بانتظارك هنا.
- ارجوك لا تدعيني اصعدي معي لا تدخلي إن اردت
ولكن لا تدعيني.
سكت
قليلاً.
- حسنا كما تحب.
….......
في
الطابق الرابع امام قسم العناية المشددة كان يقف ابي.
هذا
أقسى موقف مر بي، كنت اصرخ في اعماقي ابي اشتقت اليك اعلم أنك لا تستحق ولكن احتاج
الى حضنك الدافئ احتاج لأن اشعر بالأمان الذي افتقدته منذ زمن بعيد جدا.
لم
ينظر الي ولم يراني كعادته لم يشعر بوجودي كان في قمة انهياره متأثر لأن رفيقة
عمره تتعذب في الداخل.
- خالد! انظر ماذا حل بخالتك إنها تنازع الموت.
- كيف حالها الآن.
- ليست بخير توقف قلبها منذ قليل وتعرضت للصدمات
كهربيه لم تتجاوز مرحلة الخطر، الكيماوي هزم كل قوتها ومناعتها لم تعد تحتمل اي
شيء.
- يا رب لطفك.
همست
الي خالد.
- اهدئ ارجوك.
عندها
تنبه ابي لوجودي ولكن لم يدقق في وجهي.
- تفضلي يا ابنتي اجلسي.
- شكرا لك يا عم.
- من هذه؟
- إنها روح ألا تشبه عائشة يا عمي؟
- استغفر الله العظيم كيف تنطق اسم هذه الفاجرة
امامي يا ولد.
- عائشة ليست فاجرة يا عمي.
- ماذا تقصد لقد رأيتها بأم عيني مع ذلك الوغد في
منزلكما.
- هذه كانت احدى مؤامرات خالتي، عائشة بريئة من
كل ما قذفتها به خالتي هي من دبرت ذلك كله سامحها الله.
- ماذا تقول يا هذا؟
- هذه هي الحقيقة.
- لا اصدق.
- اقسم لك أن عائشة بريئة وان خالتي هي من فعلت
هذا كله كما قامت بالكثير دون علمك.
- ماذا تقصد بالكثير؟
- أعلم ان الوقت ليس مناسب لهذا ولكن عمي، خالتي
هي من قتلت والدة عائشة وضعت لها السم في الغداء وقامت بسحرك منذ ذلك الحين حتى لا
تكتشف امرها وتبقى مغرما بها صرفتك عن ابنتك وقامت هي بتعذيبها حتى انتهى الامر
بقذفها انا نادم لأني ساعدتها وسترت ما كانت تقوم به من المؤامرات، ليت عائشة
تعود.
- كلامك ليس معقول، عائشة بريئة وخالتك قاتله
وأنا مسحور هل جننت؟
- خالتي لابد أن تبطل السحر، علينا رؤيتها فوراً
لتخبرنا كيف نفعل هذا؟
دخلا
كالمجانين يحاولون الحرس منعهما من الدخول دون جدوى وصلوا الى غرفتها.
كانت
تمد يدها الى ابي وتناديه.
- لماذا فعلتي هذا بي لماذا؟
انقض
عليها كوحش مسعور يهز كتفيها بعنف.
- فقط أخبريني لماذا فعلتي بي كل هذا؟
امسكه
الممرض بصعوبة واخرجه من الغرفة.
دنا
خالد من خالته.
- خالتي اسمعيني جيدا كيف نستطيع فك السحر من عمي
يوسف؟
- عائشة.
- دعيك من عائشة الآن كيف يمكننا فك السحر.
- تسامحني سامحوني.
- من الساحر الذي ذهبتي اليه ما اسمه؟
- عائشة.
- عائشة ماتت.
- كلا عائشة خلفك أخبرها أن تسامحني.
تسللت
خلفهما وكنت أقف امام الباب هي الوحيدة التي عرفتني حقاً لأنها بدأت أولى مراحل
مغادرة الحياة.
- عائشة تعالي الى هنا.
اقترب
خالد مني وهمس لي كي لا تسمعه.
- روح تعالي اخبريها أنكِ سامحتها هي تعتقد أنكِ
عائشة دعيها ترتاح لتخبرنا عن السحر ارجوك ساعدينا انا اتوسل اليك.
- حسناً اخرج انت الآن وأنا سأحل الامر.
- هل انتِ متأكدة.
- نعم.
اقتربت
منها وهمست في اذنها.
- جيد لقد اصبتِ انا عائشة ابنت مريم التي قمتي
بوضع السم لها في الطعام عائشة التي سحرتي اباها لكي تصرفيه عنها عائشة التي تلذذتِ
بتعذيبها دائما دون أدنى رحمة او شفقه عائشة التي قذفتيها بعرضها والقيتي بها في
مصحة المجانين عائشة هي انا الآن فقط تريدين أن اسامحك ههه أخبريني كيف يمكنني
تحرير ابي من سحرك.
- سيبطل السحر عندما اموت ولكن سامحيني.
- اعتذر لا أستطيع مسامحتكِ صدقيني لو أني املك أكثر
من هذا لفعلت لم اقتلكِ ولم اسحركِ ولم اعذبكِ ولكن سأدعكِ تأخذين جزاءكِ لن اعصمكِ
من العذاب ولن اسامحكِ ما حييت.
كانت
تصرخ باسمي بين ونات الالم وانينها المستمر، وكنت اهمس بهدوء.
- لن اسامحكِ.
حتى
لفظت انفاسها الأخيرة وهي تتوسل لي.
كنت
اشعر بالألم نعم كان الموقف صعباً للغاية ولكن أن اسامحها كان شيء مستحيل.
اخرجت
غطاء شعري من الحقيبة وضعته على شعري وتوجهت اليهما.
اعينهم
كانت تستنجد بي، ابتسمت ابتسامة نصر رغم الالم الذي اكتظ به صدري الا أني اشعر
بالنصر والسعادة.
- رحلت يا ابي رحلت وفُك أسرك.
رأيت
عينا ابي تتغير ثم امسك برأسه وصرخ بقوة "مريم" ويشد على رأسه أكثر ويصرخ
"عائشة"
استلقى
على الارض واخذ ينازع كأنه في حاله صرع كان يتقيأ كثيرا ولكن لم يستمر به الحال
سوى دقائق واخذه طاقم الممرضين الى الملاحظة، بقي ثلاث ساعات في غيبوبة واستيقظ لا
يتذكر اي شيء.
- ابي.
- اين انا؟ من أنتِ؟
- انت في المستشفى وأنا عائشة.
- عائشة! هذا هراء ابنتي ما زالت في الثالثة من
عمرها.
- ابي! أنا في السابعة والثلاثون من عمري.
- كيف؟ متى؟
- سأستشير الطبيب.
- اشعر بصداع قوي لا اعلم ماذا حل برأسي.
- حسناً سأخبر الطبيب بكل شيء، فقط ابقي هادئ
ارجوك.
…........
- دكتور أبي لم يعرفني لقد قال إني في الثالثة من
عمري ويشعر بصداع قوي.
- لابد من عرضة على طبيب نفسي على الاغلب انه
اصيب بفقدان للذاكرة.
- حسناً، فقط امهلني قليلا لأجري اتصال مع طبيب
نفسي إن تمكن من الحضور يمكنه استلام حالته، أليس كذلك.
- لا مشكله.
اتصلت
بأحمد.
- مرحبا.
- أهلا بكِ روح.
- عائشة، أحمد انا بحاجتك.
- ماذا جرى؟ هل تخلى عنكِ خالد؟
- لا علاقة لخالد بالأمر.
- إذاً ماذا؟
- أخبرني أولاً ستساعدني أو لا؟
- بالطبع سأساعدك.
- انا في المستشفى العام قسم الملاحظة.
- نصف ساعة وسأكون هناك.
….......
عند
وصوله كنت أقف معه أمام غرفة ابي.
- أبي اصيب بفقدان للذاكرة لقد نسي ما يقارب 33 عام.
- ماذا؟ كيف حدث هذا؟
- لا اعلم، زوجته توفيت وكشف جميع ما فعلت
اخبرتني أن سحرها سوف يبطل ما أن تموت وحين اخبرته بالأمر دخل غيبوبة لساعات
واستيقظ لا يتذكر أي شيء.
- كانت الصدمة قوية عليه، اتمنى أن يكون الامر
فقط مؤقت وبسيط.
- ماذا تقصد قد يكون غير ذلك؟
- بالطبع قد يكون ولكن انا حتى الآن لم اره ولم
اتحدث اليه.
- هو في الداخل.
….....
في
غرفة الملاحظة.
- السلام عليكم.
- عليكم السلام.
- كيف حالك يا عم؟
- انا بخير ولكن اين مريم لماذا لم تأتي معكم؟
- اخبرني يا عم ماذا تتذكر قبل أن تستيقظ من
النوم.
- كنت في فراشي وبجانبي ابنتي عائشة تنام بجانبي
دائما وبجانب والدتها ولكن استيقظت وإذا بهذه المرأة تقول إنها عائشة، كيف هذا
عائشة عمرها لا يتجاوز الثلاث سنين.
- عمي هل أنت متأكد.
- بالطبع ماذا حدث كيف أتيت الى هنا؟
- عمي هذه المرأة هي حقاً ابنتك عائشة لقد مضى
على ما تقوله 33
عام، لقد عشت الكثير خلالها ولكن يبدون أنك نسيتها اثناء نومك، لا تقلق ستستعيدها
قريبا.
- كيف هذا؟
- ابي انت فقدت الذاكرة بشكل مؤقت قريبا
ستستعيدها وتعود كالسابق.
- اعطيني يدك أن كنتي حقً عائشة.
- تفضل هذه هي ما زالت في يدي حتى الآن.
- نعم هذا صحيح الشامة التي في يد عائشة، يا إلهي
مرت 33
عام ولا اتذكر اي شيء.
- لا تقلق الامر مؤقت المهم ألا تتوتر ستستعيد كل
ذاكرتك ولكن في الوقت المناسب.
- لم تخبروني اين مريم؟
- امي توفيت منذ 30 عام.
- مريم!
وأجهش
بالبكاء كان يتألم بشده، نعم هذا هو ابي، قلبه المرهف وعيناه المبتلة دائما
بالدموع ما اطيبك يا ابي وما أبشع ما فعلت بك تلك المرأة.
…......
في
الممر.
- اباك فقد الذاكرة قبل أن يتزوجها هذا يعني أن
العقل الباطن له يرفض اي ذكريات لها في حياته فهو يعيش من قبل أن ينكحها وهذا طبعا
بسبب صدماته القوية منها.
اتى
خالد.
- انتِ هنا؟
غادر
احمد حين راه.
- خالد، ابي فقد الذاكرة، لقد نسى 33 عام من حياته اي قبل أن يتزوج بخالتك.
- ماذا تقولين؟
- هذا ما حدث، احمد هو طبيبه الآن.
- لا حول ولا قوة الا بالله، انتهيت للتو من جميع
اجراءات خالتي ستكون الصلاة عليها بعد الفجر ومن ثم الدفن.
- رحمها الله.
- هل سامحتها؟
- هذا الامر فيما بيننا.
- وانا؟
- ما بك؟
- هل سامحتني؟
- هل تظن أن ما فعلته مع روح سيغفر لك ما مضى مع
عائشة؟
- لأول مره اعلم أن قلبك قاسٍ.
- قلبي قاسٍ! صدقني ما رأيت في حياتي كفيل بأن
يغيرني رأساً على عقب، يقال الضربة إن لم تكسرك ستقويك وأنا لم اكسر ولكني قسيت.
- كنتي تريني اتعذب وأنا اتمنى فقط أن تعود ولم
تعترفي أنك انتِ.
- كنت امامك وصدقتني أني لست عائشة واني فتاة
اخرى.
- كنتِ مختلفة تماما طريقة حديثكِ مشيتكِ ملابسكِ
نظراتكِ اوراقكِ شعرك كنتي مختلفة تماما.
- القليل من المكياج ونزع الحجاب ولبسٌ سافر غير
هويتي بنظرك اعتذر لك انت اغبى مما كنت اظن لقد عشت معك ما يقارب العشرة أعوام لم
تكتشف خلالها امر يميزني عن غيري.
- انا حقا غبي ولكن هل ستسامحينِ.
- بالطبع ولكن بشرط.
- ما شرطك؟ انا وافق قبل أن اعرفه.
- هل انت متأكد؟
- بالتأكيد.
- شرطي هو أن تغادر حياتي الى الابد، انت وافقت،
الى اللقاء.
- عائشة لا يجوز أن تفعلي هذا بي، عائشة انا
عشقتك مرتين اعلم أنى اخطأت بحقك كثيرا ولكن اقسم لك أنى اعشقك وبجنون.
- هراء ما تقوله مجرد هراء لا يعني لي اي شيء.
- انا اقسمت.
- لا شأن لي بأيمانك المعظمة هذه، انا اشترطت
عليك وانت وافقت انتهى الامر إن لم تلتزم بالشرط فلا تأتي لطلب المغفرة ثانيتا.
- إذا كانت هذه هي رغبتك حقا فلك ذلك.
- بالتأكيد هي رغبتي.
- يعز عليّ أن اقولها.
- انا سأقولها، وداعاً.
ذهبت
لأحمد.
- يبدو أن الامور بينكما قد تحسنت كثيراً.
- نعم.
لم
أستطيع تجاهل غيرته فضحكت.
- ما المضحك في الامر؟
- لا شيء.
- لماذا تضحكين إذاً؟
- هل يمنع الضحك هنا، أخبرني الآن ماذا عن ابي.
- إذا كان مسحور فيجب أن يتداوى لدى راقي وليس
هنا، اما عن فقدانه للذاكرة فلا اعتقد انه سيستجيب مبدئيا ولكن سنحاول فيما بعد،
عليك رعايته جيداً ومن الافضل أن لا تذكريه بها لأن الامور قد تزداد سوءًا.
- جيد.
- هذا كل شيء، يمكنه المغادرة فورا.
- شكراً لك.
- عائشة.
- نعم.
- لا شيء.
- احمد، اردت أن اخبرك شيئاً، انا وخالد افترقنا
الى الابد.
- حقاً! لماذا؟
- في الحقيقة انا من اردت ذلك إن كنت ترى أن
قراري خاطئ أخبرني لأصلح الامور.
- انتِ من يحدد إن كان خاطئ او صائب.
- وأنا فعلت ما اريد.
- وأنا كنت اريد أن اخبرك شيئاً
- ما هو.
- امي بحاجة اليك.
- لماذا ماب ها خالتي؟
- لا شيء مخيف ولكن الأعراض تزداد سوءا.
- اريد رؤيتها.
- اتمنى ذلك، وابيك ايضا يحتاج الى العناية وانتِ
ستنشغلين بالعمل.
- احمد قل ما تريد قوله.
- ألم يحين الوقت لتعودي؟
- محتال.
- محتال عاشق.
وضحكنا
كلانا،
- حسناً، انا موافقه.
عدت
الى منزل العائلة بروح مختلفة، عاد ابي كالسابق كما كنت صغيرة عاد أبي الذي عشقته
من جديد، ولم تكن خالتي ام احمد في حالة صعبه ع الاطلاق كانت طبيعية وحنونه كما
عرفتها احتضنتنا جميعا كعادتها دائماً، وعدت للعمل مع حسام وكان لي أفضل صديق.
بالطبع
تزوجنا أنا واحمد وأنجبنا فتاة كالقمر أسميتها مريم كاسم امي رحمها الله وبقينا في
البيت الكبير.
وبعد
زواجنا بعام حدث مالم يكن في الحسبان، أبي وأم احمد فاجئونا بقرار زواجهما.
النهاية.