الجمعة، 15 يناير 2016

ليتني لم أحبّك يوماً

ليتني لم أحبّك يوماً

سأبدأ من حيث انتهى الجميع من النهاية قبل البداية.
ها أنا أجلس في صالة المغادرة وبرفقتي حقائبي وجميع أمتعتي، أنتظر النداء الأخير لأرحل من هنا، لأغادر كل شيء كما غادرتني أنت ورحلت.
لا أستطيع البقاء أكثر على أمل عودتك التي يئست منها يوماً بعد يوم.
قررت الرحيل وقطع جميع الآمال المرتبطة بك.
هذه هي النهاية ولكن كيف وصل بنا الحال إلى هنا؟
....
برلين 2010م.
كنت في هذا المطار قادمة من دبي، كان لدي هدفٌ واحد فقط أكمل دراستي وأعود فوراً إلى بلدي وأمي لأكمل حياتي بجوارها بعد تحقيق حُلمها.
لماذا ظهرت لي؟ لماذا غيرت كل شيء؟ وغيرتني أنا قبل كل شيء؟
تبدلت جميع أحلامي، وارتبطت بك أنت، أنت فقط أصبحت كل شيء!
ليتني لم أحبّك يوماً.
ليتني لم أشعر بما أشعر به الآن.
مجهولي! نعم أنت بالنسبة لي هكذا كتلة من الغموض عالمٌ مجهول لا أستطيع الاطلاع عليه أو حتى فهمه أبداً.
أنا لا أعرف عنك سوى اسمك (سعود) فقط هذا هو ما أعرفه حتى الآن ولا أستطيع الجزم بصحته.
أما أنت فتعرف عني كل شيء بحذافيره وأدق تفاصيله، لا اعلم لماذا وثقت بك؟ لا اعلم لماذا أتحت لك الفرصة لتفعل بي ما تشاء، وتتلاعب بي كيفما اردت؟
من أنت؟
وماذا كنت تريد مني؟
لماذا قدمت لي كل شيء؟
ولماذا سلبت مني كل شيء؟
إلى أين ذهبت؟
هل ستعود يوماً ما؟ 
ليتك تجيبني فقط ليتك تفعل.

أمامي بضع ساعات فقط قبل أن تغادر طائرتي هذا المطار وأعود إلى الإمارات, سأدون لك بعض الذكريات إلى أن يُعلن إقلاع طائرتي.

....

وجدتك بجانبي في أقسى الظروف منذ أول أيامي في برلين، كنت دائماً بمفردي أخشى الجميع وأحذر من اقتراب الغرباء، وكعادتي في كل صباح أحتسي كوب قهوتي في المقهى المجاور للجامعة، وقفت أمامي وألقيت السلام.
- وعليكم السلام.
- هل يمكنني الجلوس معكِ؟
- عفواً! من تكون؟
- سعود إسمي سعود.
-تشرفت بمعرفتك، ولماذا تريد الجلوس معي؟
- في الحقيقة أنا في كل يوم أراكِ هنا، في نفس المكان والوقت وعلى نفس الحال منذ ثلاثة أشهر ويومان بالضبط.
تفاجأت من دقتك في عد الأيام.
- هل تراقبني؟!
- كلا، أنا أفعل كما تفعلين منذ فترة ليست بيسيرة، ودائماً أراكِ هنا، تستطيعين القول أن الأمر محض صدفه ليس إلا.
- جيد، إذاً بالتأكيد تقدس الخلوة بذاتك وتحترم خلوات الآخرين، في الحقيقة أعتذر لك أنا لست بحاجة أحد يشاركني الجلوس أو يقطع خلوتي بذاتي.
- نعم احترم ذلك، سُعدت بالحديث معكِ، اعتني بنفسكِ.
- شكراً لك.

........

بعد مرور أربعة أشهر.
تعرضت لموقف مُحرج، كنت اتجادل مع نادل المقهى، وحين رأيتني بهذا الحال سرعان ما تدخلت على الفور.
- ما الأمر آنستي؟
- لا شيء، سوء فهم وسوف يُحل.
النادل: الآنسة لم تحضر معها نقوداً من المنزل وتريد أن تخرج دون دفع ثمن القهوة،  وأنا لا أستطيع السماح لها بالمغادرة هكذا هي الأوامر.
- فقط هذا؟ لا عليكِ آنستي حقاً حُلت المشكلة.
- لا لا تدفع الثمن، سأذهب إلى السكن، فقط أمهلني بضع دقائق أنا أسكن بالقرب من هنا، سأحضرها وآتي على الفور.
- حسناً بإمكانك الذهاب الآن وإحضارها سأكون بانتظارك.
- ماذا تقصد؟
- إذا لم يقبض النادل الثمن لن يسمح لكِ بالذهاب ولكن أنا أستطيع السماح لكِ وانتظاركِ ايضاً.
- شكراً لك.
شعرت بأنك شخص انتهازي تتصيد اللحظات الحرجة لتصل إلى ما تريد، ولكن أنا لست سهلة المنال كما تظن.
غادرت على الفور وأحضرت النقود في اسرع وقت، وقفت أمام طاولتك و وضعت النقود على الطاولة دون أن أنطق بحرف، ورحلت.
- آنستي آنستي.
لم أقف رغم سماعي لندائك المتكرر، رحلت دون ان ألتفت إليك.
بقينا على هذا الحال حتى أتممت العام في برلين، فقط نتبادل النظرات عن بعد, اعتادت عيناي على رؤيتك حتى أني أصبحت ابحث عنك فور وصولي واقلق عندما تتأخر قليلاً ولكن يبدو أن المقهى ليس المكان المناسب لبدء قصتنا، كنت أحتاج إلى مواقف أكثر تأثيراً لكي أتنازل وأتقبل اقترابك مني.

.....

كنت في السوق وتعرضت لحالة سرقة، لقد مر أحدهم بجواري بسرعة خطف الحقيبة من يدي واختفى بين الزحام دون أن أتثبت من شكله أو حتى لون ثيابه، صرخت عالياً
- النجدة النجدة.
لم أظن بأن أحداً سوف يساعدني ويعيد لي حقيبتي لقد كنت يائسة ورغم ذلك لم أكف عن الصراخ.
ذهبت في الاتجاه الذي ذهب منه السارق وبعد بضعت امتار رأيت ازدحام كبير أمامي, حاولت الدخول من بين الناس لمعرفة سبب الزحام فوجدت انه عراك بين شخصين.
مهلاً هل يعقل هذا؟ سعود! من أين أتى؟ ولماذا يفعل هذا؟ هذا ليس مجرد عراك هذا قِتال حقيقي، فطنت إلى السكين التي يحملها السارق فصرخت لألفت نظرك إليها.
- سعود السكين كن حذراً.
ولكن القدر سبق كل شيء، لقد تمكن من طعنك في كتفك وهرب دون ان يمسك به احد، كنت ملقاً على الرصيف والدماء تسيل من كتفك، لا استطيع وصف الرعب الذي شعرت به حينها، خشيت أن يصيبك مكروه بسببي، ورغم كل هذا كنت تعتذر لي لأنك لم تستطيع استعادت حقيبتي.
وصلت سيارة الإسعافات الأولية ونقلوك إلى أقرب مستشفى، كان الجرح عميق للغاية كما أخبرني الطبيب، خسرت الكثير من الدم يومها فالنزيف لم يتوقف باكراً، بقيت ليلتها في العناية المركزة وبقيت أنا معك، كنت أنظر إليك من خلف الحائط الزجاجي، تحدثت إليك كثيراً ولكنك لم تُصغي إليّ لم تسمع تساؤلاتي ولم تجيب على أي شيء.
حاول المستشفى العثور على عنوانك أو عنوان أحد أصدقائك أو عائلتك ولكن جميع المحاولات باءت بالفشل.
استيقظت اليوم التالي عصراً.
دخلت إليك لأتحدث معك قليلاً، ربما أفسر بعض الاستفهامات العالقة بذهني منذ الليلة السابقة.
- حمداً لله على سلامتك.
- شكراً لكِ.
- كيف حالك الآن.
- أصبحت بأفضل حال.
- حاول المستشفى العثور على أي عنوان لصديق أو قريب لك ولكن لم يجدوا شيئاً، يمكنك أن تدلني على أحد لأخبرهم عن حالتك.
- أنا بخير.
- ستكون كذلك ولكن لآبد أن يصلهم الخبر.
- لا أحد يهتم لهذا، لا عليكِ أنا ليس لدي أصدقاء ولا حتى أقرباء هنا، بإمكانك القول بأني وحيد.
- هل أنت جاد؟
- نعم.
- حسناً، اعتني بنفسك جيداً، أشكرك على كل شيء.
- لا داعي للشكر، لم أستطيع استعادتها.
- لا يهم أنت عرضت نفسك للخطر والإصابة من أجل أن تعيدها وهذا يكفي.
- ليتني أستطيع الوصول إلى ذلك الوغد الحقير.
- لا تقلق، المهم الآن أنك بخير لا تفكر بالأمر.
- سأفعل.
- استأذنك الآن.
عندما وصلت الى باب الغرفة قلت لي بهدوء. 
- هل ستعودين لزيارتي مرة أخرى؟
فاجأني ذلك السؤال، لا أعلم هل سأستطيع حقا العودة لزيارتك أو لا، لا اعلم هل من الصواب فعل ذلك أو لا، ولكن لم أستطيع الرفض مباشرة فقلت.
- ان شاء الله. 
- إذاً سأنتظرك.
- اهتم بنفسك فقط، هذا ما تحتاجه الآن.
وخرجت من الغرفة.
ما لم أستطيع إيصاله لك منذ البداية هو فقدي للثقة بالجميع، أنا لا أثق بأحد وبالرجال على وجه أخص، أنا لا أثق إلا بأمي.
لم أستطيع العودة ثانيتاً، لم أعود لزيارتك ولا أجد تفسيراً لذلك الشعور الذي يصرفني دائماً عنك.
.....
بعد مرور ثمانية أيام وجدتك في المقهى.
كنت تجلس على طاولتي وكأنك تجبرني على رؤيتك قسراً، حتى لا اتمكن من تجاهل وجودك.
حين رأيتك يومها شعرت بشيءٍ غريب، كان قلبي يخفق بسرعة فائقة وكأني أسمع صوت نبضاته الآن تتردد في أذني، كنت في قمة التوتر مشوشة لأبعد الحدود ولا أعلم لماذا كل هذا؟
حاولت التظاهر بالاتزان وبكل ثبات جلست على الطاولة المجاورة، وقدمت الطلب للنادل.
أتيت إليّ وأنت متبسم فتظاهرت أنا بعدم الاهتمام، دنوت إليّ وقلت بلباقة: صباح الخير. 
- صباح النور.
- كيف حالكِ؟ 
- الحمد لله.
- ألا تودين الاطمئنان على صحتي؟
- كيف حالك؟
- ظننت بأنكِ ستعودين لزيارتي، لماذا لم تعودي؟
استطعت أن تستفزني بكلماتك فأحببت ان احزم الأمر وأجبتك بحزم. 
- وأنا أظن بأنك تقوم بمحاسبتي على تصرفاتي, أليس كذلك؟.
- كلا، اعتقدت أنكِ مهتمة بالأمر فقط.
- وأعتقد أن الأمور أصبحت واضحة بالنسبة إليك الآن.
- لماذا تحاولين دائماً صدي وإبعادي عنك؟
- أ/ سعود جيد أنك ملاحظ لمدى صدي لك، ولكن أنا لا أفهم لماذا كل هذا الإصرار منك؟
- يبدو أني بالغت في إزعاجكِ كثيراً، أعتذر لكِ وأعدكِ بأن لا أزعجك ثانيتاً.
- على الرحب والسعه.
- اعتني بنفسكِ. 
- وأنت كذلك.
- إلى اللقاء.
أعلم بأني كنت قاسية وموجعة لك كثيراً، ولكن ليتني بقيت على ذات الموقف دائماً ولم أتراجع أبداً.

......

بعد ذلك اليوم لم أعد إلى المقهى، بل لم أغادر السكن الطلابي إلى ما يقارب الشهر، كانت الظروف أقسى من كلماتي وتصرفاتي معك، كانت أقسى بكثير.
يقال الحديث للغرباء مريح جداً وأنا الآن بأمس الحاجة إلى أي غريب أفرغ له ما في جعبتي من المآسي وأرحل دون أن ألتقي به مرة اخرى.
ذهبت ذلك الصباح إلى المقهى.
كنت متأكدة من وجودك هناك، كما أني متأكدة من انتظارك الطويل لي.
كأول مرة منذ أن التقينا أول مره آتي أنا إلى طاولتك مباشرة, لا اعلم لماذا اخترتك انت لا اعلم حتى الآن.
- صباح الخير. 
رأيت الدهشة في عينيك.
- أعلم بأنك مندهش ولكني اردت الحديث معك قليلا، هل يمكنني مشاركتك الجلوس.
- بالتأكيد تفضلي.
دقائق من الصمت.
- ما بكِ؟ تبدو ملامحكِ حزينة ماذا حدث؟
- ذات يوم قلت لي أنك وحيد وليس لديك أي أصدقاء أو أقرباء، وأنا أيضاً أصبحت كذلك منذ شهر.
صمتْ قليلاً ثم أكملت دون أن تنطق بشيء.
- سعود، لقد رحلت أمي، لم يبقى لي أي أحد في هذه الحياة، أصبحت وحيدة مثلك تماماً.
ودون أن اشعر أجهشت بالبكاء.
- رحمها الله، اهدئي أرجوكِ.
- أعتذر فأنا منذ الخبر لم أتحدث إلى أحد سواك الآن.
- لا عليكِ تحدثي إن كان هذا الأمر يُريحكِ.
- ماذا أقول؟ كيف سأعيش الحياة دونها، اشتقت لها كثيراً اشتقت لرائحتها لحضنها لأمانها، أنا لا اثق بسواها  ولا أشعر بالأمان إلا معها، رحلت ولم يتبقى لي احد، حتى بعثتي كانت حلمها هي, أنا هنا لتحقيق حلمها، ليتني كنت بجوارها في آخر ايامها، ليتها اخذتني معها ولم تتركني وحيدة هكذا.
- تخيلي لو أن والدتكِ تراكِ الآن، هل تعتقدين بأن حالكِ سيسرها؟ كوني كذلك دائماً عيشي يومكِ كما لو أنها تراكِ وأنا متأكد انها ستكون فرحة وفخورة بكِ.
- ولكن قد لا تراني ولا تفتخر بي.
- وما يدريكِ؟ هذا شيءٌ ممكن بالطبع.
مسحت دموعي.
- حسناً سأحاول فعل هذا.
- جيد، أتمنى لو نستطيع الجلوس أكثر ولكن عليّ الذهاب الآن.
- أعتذر لك.
- على ماذا؟
- أنت في كل مره تجعلني أشعر بالخجل لا أعلم لماذا تفعل كل هذا من أجلي.
ابتسمت بلباقة.
- أنا لا أفعل أي شيء من أجلكِ صدقيني، أظن بأنها الصدفة تفعل كل شيء من أجلنا، سأراكِ غداً؟
- ان شاء الله. 
- كالمرة الماضية؟
- سوف أحاول المجيئ بإذن الله.

......

اتيت حقاً وبدأت تلك القصة، كنت دائماً بجانبي لم تسمح لي بالبقاء وحيدة، رحيل والدتي خلف فجوة عميقة في حياتي لم يملأها سواك.
بعد مرور شهر من ذلك اليوم كنا نجلس سوياً أمام الشاطئ.
- سعود.
ثم صمتْ.
- ماذا؟ ما بكِ؟
- لا أعلم.
- حسناً سأكررها بصيغة افضل, ما الذي يدور في ذهنكِ آنستي؟
- انظر أنت رجل طيب، صحيح لم أتعرف عليك سوى من بضع اسابيع ولكن أنا سعيدة جداً بقربك.
ابتسمت بارتياح ثم قلت وانت تنظر في عيناي.
- هذا كل ما تودين قوله!
- نعم.
- عيناكِ تخبئان شيئاً آخر.
- حسناً، سأتحدث انت هكذا دائما تأخذ كل ما تريد.
- تحدثي أسمعكِ.
- أخشى أن تتركني أنت أيضاً وتذهب كما ذهب الجميع.
شعرت بارتباكك يومها وأرعبني ذلك كثيراً.
- سعود، هل تخبئ شيئاً ما.
- كلا، مثل ماذا؟
- لماذا لا تحاول الإقتراب مني أمام الناس؟ إذا لم يكن لديك هنا أي اصدقاء أو أقرباء ما المشكلة إذاً؟.
- من قال أني أفعل هذا؟
- نحن أصدقاء كما أتفقنا منذ البداية، يمكنك إخباري بكل شيء، هل لديك قصص حب فاشلة أو لم تفشل بعد؟
ضحكت وأجبت بسرعة دون تفكير، 
- أنا لا أؤمن بالحب، كل ما في الأمر أني لا أحب لفت الأنظار إليّ.
- تعلم أنك لم تقنعني أليس كذلك؟
- أماني أنتِ لا تقتنعي أبداً.
- حرام لست بهذا الجمود ولكن كلامك غير منطقي.
- أنا حقاً لا أؤمن بالحب، ولا أحب لفت الأنظار إليّ ، ما هو غير منطقي في كلامي؟
- غير المنطقي أنّا في برلين لسنا في الإمارات.
- أنا أسكن برلين منذ أكثر من عشر سنين، سوف ألفت الإنتباه لأني أعرف الكثير صحيح ليس لي أصدقاء مقربين ولكن الكثير يعرفونني.
- حسناً، أتفهم هذا ولماذا تختفي لأيام دون أن اعرف عنك شيء وهاتفك مغلق.
- لدي عمل مفاجئ انتِ تعلمين أن عملي يلزمني بالسفر لبضع ايام لا داعي للقلق.
-وما قصة منزلك الذي لم تريني إياه حتى الآن.
- لأني لست مستقر في منزل معين أنا أتنقل كثيراً قد أخبركِ أن هذا منزلي اليوم ولكن بعد أسابيع سوف أنتقل.
- وما سبب الانتقال؟
- أوووووه ما هذا الاستجواب كفاكِ أسئلة يا فتاة.
- أنا حقاً أتمنى أن تجيبني.
- هل تسبحين؟
- هل أنت مجنون؟
- كلا هيا بنا سوف نستأجر ذلك القارب وعندما نصل إلى هناك سوف أعلمكِ السباحة.
- لا أنا لا أحب البحر ولا أريد أن أسبح.
- تمزحين هيا بنا.
ونهضت متعجلاً أخذت بيدي وذهبت إلى الرجل المسن استأجرنا قاربه الصغير ودخلنا البحر.
كنت خائفة جداً ولكن وجودك معي كان يشعرني بالاطمئنان، كنت تمتص خوفي وعصبيتي بكل رحابة صدر تتعامل معي كالأطفال تماماً كعادتك.
اصطدنا بعض الأسماك وحين قطعنا بضعة أميال عن الشاطئ قررت أنت النزول والسباحة، صرخت بصوت عالٍ،
- لا سعود أيها المجنون أخرج.
ولكنك غبت تحت مستوى الماء وأنا مت من الرعب وكنت أنادي بإستمرار "سعود، سعود، سعود"
أخرجت رأسك وضحكت كثيراً عليّ.
وملامح وجهي تصور كل الخوف والهلع والغضب الذي بداخلي.
- لا تضحك.
- ما بكِ؟
- اصعد إلى القارب بسرعة.
قلت بسخرية.
- حاضر آنستي.
وصعدت إلى القارب بالفعل وأنت مصدوم من ردت فعلي.
- ما بكِ؟
- لا شيء.
- لا حقاً ماذا حدث؟
- لماذا تفعل هذا بيّ؟
- أعتذر لم أتوقع أن تغضبي هكذا.
- دعنا نعود إلى الشاطئ.
- حسناً، هيا بنا.
أعلم انه لا ذنب لك في كل ما حدث، ولا ذنب لي أنا كذلك ولكن من الصعب عليّ تمالك أعصابي حين أكون في مثل هذا الموقف.
- الآن نحن على الشاطئ وأنتِ تشربين عصير الليمون أخبريني ماذا حدث منذ قليل؟
- أنا أكره البحر.
- لماذا؟ البحر جميلٌ جداً أنا اعشقه.
اجبتك بانكسار.
- لأنه سرق والدي.
صُعقت حينها ولم تنطق بحرف فأكملت أنا ما بدأت.
- البحر خائن ولئيم يغدُر بمن يثق به، أبي رحمه الله كان يعشق البحر يُمضي فيه جُل وقته يبقى أسابيع في رحلاته البحرية، كان يستمتع كثيراً بهذا ولكن ما هي النتيجة؟ لقد سرق روحه وأبتلع جسده سرق كل شيء منه ومِنّا.
بعد دقائق قلت بهدوء.
- الأمر ليس بهذا السوء، ما رأيكِ أن نراه من زاوية أخرى؟ أباكِ رحمه الله كان يعشق البحر ، ودائماً ما أسمع رغبات الناس في أن يُدفنوا بقرب من يحبون وهذا ما حدث مع ابيكِ.
- نظرتي للبحر لن تتغير مهما حدث.
- حسناً، وأنا أحترم هذا، هيا بنا سنذهب إلى الأماكن التي تحبينها.
- كوخ الريف.
- حسناً، ولكن البرد قارص عليكِ العودة إلى المنزل وأخذ المزيد من الملابس.
...
كانت ليلة جميلة في كوخ الريف، أوقدنا النار وبقينا طوال الليل نتحدث عن كل شيء, حتى اني حدثتك عن حمد.
- من يكون؟
- ابن خالي وتستطيع ان تقول لم يتبقى لي من عائلتي سواه.
- لم تحدثيني عنه من قبل.
- لا أظن فأنا أكرهه.
- لماذا؟
- عندما كنت طفلة في التاسعة من عمري كان هو في المرحلة الثانوية أي انه اصبح مراهق وانا ما زلت طفلة ولكن كنت احبه كثيراً، ظننت بانه يبادلني ذات الشعور ولكن اتضح لي انه كان مجرد وهم لا أكثر.
- كنت صغيرة جدا على أن تعيشي قصة حب.
- هو شخص بلا مسؤولية لا يهتم لشيء سوى سعادته ومصالحه الشخصية فقط وما عداها لا يهمه أبدا.
- هل تزوج؟
- كلا، سافر إلى الخارج للدراسة ثم قرر الاستقرار هناك مدى الحياة،  لم أراه منذ سنوات طويلة نسيت ملامح وجهه اتذكرها كالحلم، كان اول شخص اتعلق بوجوده فيذهب ويتركني خلفه دون أن يلتفت إلي.
- لا تعلمين ماذا حدث له يحتمل انه واجه صعوبات كبيرة أو حدثت له ظروف منعته من العودة.
- تقصد قد ألتقى بفتيات جميلات وشعر بالحرية التي يفتقدها في الإمارات فلم يستطع التفريط بكل هذا وقرر الاستقرار هناك.
- أنا جربت الاستقرار بعيدا عن بلدي صدقيني لم انسى اي شيء عشته هناك نعم لا اريد العودة ولكن هذا لا ينفي حنيني اليها.
- هذا لا يغفر له خذلانه لي، أنت تحن إلى البلد ولكن لم تخذل أحدا وترحل، في الحقيقة ما يثير دهشتي هي ثقة خالي رحمه الله عندما اوصى أن اتزوج ابنه حين ناقشت امي في هذا قالت لأنه يثق بأنه لا احد يستطيع إلى هنا سواك انت فقط.
- جميل.
- اين الجمال في هذا، اشعر بأنها مسؤولية كبيره ألقيت على عاتقي أنا لا اعرف عنه أي شيء كيف سأتزوجه.
- الحب يصنع المعجزات أليس كذلك؟ 
- أنا أكرهه.
- الكره نقيض الحب والنقيضان لا يجتمعان.
- ماذا تقصد؟
- لا أستطيع الجزم ولكن لا أظن بأن ما تشعرين به تجاهه هو كره حقيقي، قد يكون عتاب على ما سلف أو شيء من هذا القبيل وأيا كان ذلك فليس كره صدقيني.
- قلت لي سابقا أنك لا تؤمن بالحب ماذا حدث؟
- لا أؤمن بالحب الحديث لأنه فقد كينونة الحب الحقيقي، أصبح الأمر سطحيا جدا يبحثون فيه عن الجمال وبعض الغزل والرومانسية هذا هو الحب اليوم.
- وما الحب الحقيقي في وجهة نظرك؟ 
- الحب عطاء تضحية نصيحة شجاعة مسانده وفاء أمان صدق الحب يحوي جميع الأخلاق ذات القيم الراقية وينبذ ما عداها وخالفها ثم يأتي كقالب له شيء من الرومانسية لا بأس بذلك ولكنه ليس الأساس.
- من العجيب أن رجل مثلك يقول هذا.
واكملنا احاديثنا دون توقف حتى نمت يومها دون أن اشعر، استيقظت و وجدت نفسي على السرير في الغرفة العلوية.
في البداية كنت أحاول تذكر هذا المكان وكيف وصلت إلى هنا.
وبعد برهه تذكرت كل شيء، يبدو أنك قمت بحملي إلى السرير عندما نمت بالأسفل.
يزعجني تعاملك معي حينما تشعرني أني طفلة صغيرة، تدللني كثيراً وتراعي مشاعري وتعطف علي حتى في حوارك معي كنت في قمة اللطف دائماً.
نزلت إلى المطبخ وجدتك تعد سفرة الإفطار.
- صباح الخير.
- صباح النور، كيف كانت ليلتكِ؟ هل شعرتي بالراحة في الأعلى.
- سعود، لماذا تعاملني كالأطفال دائماً؟ أنا لست طفلة هل تفهم؟
- أنتِ أختي الصغرى وعليكِ الذهاب لغسل يديكِ الآن لأن الإفطار جاهز.
- لا أريد الإفطار لا أريد أي شيء.
- لماذا انتِ غاضبه؟ لأني حملتكِ إلى سريركِ في الليل؟ حسناً، أنا أعتذر ولكن البرد شديد وخشيت أن تصابي بأذى.
- سعود حقاً أنا كأختك الصغرى.
- كلا، أنتِ هي أختي حقاً.
- أحبك يا أخي، هذه أول مرة أنطق كلمة أحبك لغير أمي، أنا ممتنة لك على كل شيء على السعادة والأمان والحب وعلى كل شيء جميل أعيشه معك وبفضلك.
- هل هناك فتاة تحدث أخاها هكذا؟
- لا أعلم فلم يكن لدي أخوة من قبل.
ضحكت وأكملت دور الأخ الأكبر،
- كفانا حديثاً الآن وهيا بنا إلى سفرة الإفطار.
....
أنت الأمان بالنسبة لي أنت أماني وملاذي من كل هذه الحياة، أصبحت روتيني اليومي كل يوم أراك منذ الصباح وحتى توصلني إلى السكن الجامعي في المساء، كنت كذلك ثلاثة سنين وبعدها حدث أمر غريب لأول مره.
ونحن نتمشى في السوق الشعبي (الرابش) تناقشت معك حول العودة الى الإمارات،
- لا أريد العودة إلى الإمارات.
-  لماذا؟
- لا أريد وكفى، من تبقى لي هناك؟ لا أحد. 
- اهل والدتك واهل والدك اعمامك اخوالك خالاتك عماتك الجميع هناك.
- أهل ابي لا اعرفهم ولا اريد معرفتهم أيضا واهل امي لا اريد العودة لهم.
 - لماذا؟
-  ليس لدي سوى خال واحد توفي وهو ويريد مني الزواج بإبنه وانا لست موافقة على هذ وتعلم ما تتمة القصة.
 - هذه وصية أمك وخالك لابد أن تقدمي لنفسك الفرصة مجددا قد يتغير كل شيء.
-  لا اريد هذه الفرصة .
- حسناً اسمعي مني، انت على وشك انهاء مرحلة البكالوريوس أي انهاء البعثة الجامعية ولكنك لا تريدين العودة إلى الإمارات، إن وافقتك الرأي قولي لي ماذا ستفعلين اذا بقيتي هنا؟
-  سأكمل الماجستير وبإمكاني التقديم على وظيفة معيدة اثناء دراستي لأني حاصلة على معدل إمتياز لا اظن ان هذا سيكون صعبا علي.
-  وابن خالك الذي ينتظرك منذ اربع سنين.
-  لا علاقة لي به، انا لا احبه.
-  ولكنك وافقتي في البداية ماذا ستقولين الآن ؟
-  قبل وفاة امي لم اكن احب والآن كل شيء تغير.
- ماذا تغير؟ انا لا افهم.
في هذه اللحظة امسكت بيدي بقوه وقلت لي.
- اركضي فقط قدر استطاعتك ولا تلتفتي.
كنا نركض بجنون لا اعلم إلى اين نحن ذاهبان ولا اعلم لماذا نركض وكأننا نهرب من شخص ما، سألتك كثيراً ولكنك لم تصغي الي ولم تجيبني.
قطعنا بضع كيلو مترات بين المنازل القديمة وتوقفنا في أحد الازقه بعد ان انقطعت انفاسنا من الركض.
-  سعود ما الذي يحدث هنا؟
 - لا شيء مهم، اهدئي الآن حتى يمكننا الرحيل إلى مكان آمن.
-  سعود ما الامر اخبرني.
-  لا يمكنني التحدث الآن دعينا نرحل.
- حسناً.
......
طال صمتي كثيراً حتى انتصف الليل، كنت في برود مميت رفضت التحدث معك ولم استطيع اخفاء غضبي وانزعاجي مما حدث، وقفنا أمام السكن الطلابي.
- أعلم بأنك غاضبة مني كثيراً، لا استطيع ان انسيك ما حدث انا اعتذرت منك مرارا ولكنك لم تقبلي الاعتذار، ليتني استطيع فعل ما تريدين ولكن صدقيني هذا صعب جدا.
- ما الصعب؟ من ذلك الرجل وماذا يريد منك؟ لماذا كنا نهرب منه بهذه الطريقة؟  ماذا تخفي يا سعود؟
- ارجوك حاولي ان تتفهمي موقفي.
- لم نذهب من قبل سويا إلى اي مكان مزدحم اردت الذهاب إلى المتحف إلى حانوت الشكولاتة او شارع روزا لوكسمبورغ وزيارة الحوانيت الموجودة هناك، لم ترافقني إلى اي مكان منها، حتى لا يحدث مثل ما حدث اليوم.
- اهدئي.
- انت ملاحق ولكن من قبل من؟ اريد معرف هذا، ماذا يريدون منك؟
- حسناً سأخبرك بما استطيع، هؤلاء مجموعة من الرجال يوجد بيني وبينهم خلاف، كانوا يريدون ان اتعاون معهم ولكن رفضت ولهذا يريدون الوصول الي.
- تتعاون معهم في ماذا؟
- اعمال خبيثة لا يليق بي فعلها.
- تقصد بأنهم عصابه أليس كذلك.
- نعم.
- وما الاعمال التي طلبوها منك؟
- إلى هنا يكفي.
- تعلم ان الامر كبير ويعرضك إلى الخطر دائما.
- لا تقلقي بشأنهم لا يستطيعون فعل شيء، فقط اعتني بنفسك.
- حقا لا تريد ان اقلق.
- هذا لا يحدث كل يوم، ولكن من الافضل ان ابقى بعيدا عن العيان هذه الفترة.
- تقصد بأني لن اراك!
- فترة بسيطة فقط بضعت ايام.
- استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه. 
- ودائع الله لا تضيع لا داعي للقلق.
- حسناً.
....
مضى اسبوع كامل دون ان اراك ثم ظهرت مجددا بالقرب من الجامعة.
- اخيرا تذكرتني وعدت.
- تعلمين اني لا استطيع نسيانك آنستي المدللة.
- انا غاضبه لا تحاول ان تتلاعب بعقلي بكلماتك المنمقة هذه.
- حسناً ما الذي يرضيك ايتها الغاضبة.
- سأرضى فقط اذا وعدتني بان تبقى بقربي دائما مدى الحياة. 
لم تتوقع هذا الطلب مني، ولكن ليس لديك الفرصة للهروب منه.
- لا اعدك فقط بل اقسم لك واعاهدك على ان اكون بجانبك قدر استطاعتي ولا افرط في قربك بإرادتي، هل تبقى لديك شك او ريب في وفائي لك.
- لا ليس لدي ولكني اخشى فقدك رغما عنك وعني.
ثم سقطت دموعي.
- لا تفكري في هذا انا بجانبك الان لماذا تفكرين في شيء سيء.
- في الاسبوع الماضي كنت اراك في كل مكان اشعر بوجودك رغم يقيني بغيابك، ابحث عنك حولي دائما اتوقع مجيئك في اي وقت واي مكان، ارعبني ذلك كثيراً ، لا اريد أن اشعر بما شعرت به الايام الماضية ، تعلم؟ اخشى ان يكون هذا مجرد حلم واصحوا منه فلا اجدك، اخشى ان تكون وهم وفجأة تختفي من امامي ولا اراك مرة اخرى، لم اشعر بألم قط اقسى من فقد من احب تعلقت كثيراً بأبي فأبتلعه البحر لم اشعر بالأمان إلا في حضن امي فسرقها الموت أحببت حمد فخذلني وهاجر لكندا، لم يملأ فجوة فراقهم احدا سواك والآن اراك ترحل يوما بعد يوم، لماذا لم تخبرني منذ البداية قد لا احبك كل هذا الحب.
- عليك العودة إلى الإمارات.
صرخت في وجهك بلا شعور.
- ليتني لم احبك يوما ليتني لم اشعر بما اشعر به الآن ليتني لم اسمح لك بالاقتراب مني، كيف فعلت هذا لا اعلم، لقد امتنعت عن بناء الصداقات حتى مع الفتيات كيف اتيت اليك بقدمي وسلمتك زمام حياتي.
- إن عدتي إلى هناك ستجديني بإذن الله.
- لن أعود هل تفهم؟ ان عدت سأتزوج بحمد وانا اكرهه واكرهك انت ايضا اكرهكم جميعا واكره كل شيء حتى انا اكرهني لا اريد ان اراك هيا اذهب اذهب لا اريد رؤيتك ثانيتا.
- انا ذاهب الآن ولكن قد لا تريني ثانيتا إلا إن عدتي إلى الإمارات.
- اذا لن اعود قبل انهاء الماجستير.
- كما تريدين، استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه اعتني بنفسك جيدا.
ورحلت دون ان تلتفت خلفك، وانا خارت قواي وجلست على الارض كطفلة يتيمة تبكي فقد والديها.
ألم الفقد موجع للغاية وحين تتكرر الصدمة تصبح أشد وطأة وإيلاما.
تمنيت في لحظتها أني لم أعرفك ولم أحبك، نعم لم نخوض تجربة حب حقيقية وما قضيناه سويا لم يشبه قصص الحب بتاتا ولكني لا أستطيع أن أنكر ضعفي وقلة حيلتي أمام رحيلك، حتى إن كنت مجرد صديق أو كنت أخي كما تحب فقدك مؤلم جدا ولا استطيع تحمله.
لا أعلم لماذا اعتقدت أن اصرارك علي بالعودة الى الإمارات كانت مجرد خدعة لي، لم أتخيل للحظة بأني سأراك هناك.
منذ ذلك اليوم لم أراك في برلين، بحثت عنك في كل مكان انتظرتك دائما توقعت عودتك في كل وقت ولكن دون جدوى.
حققت طموحاتي قدمت على الماجستير وقُبلت وكذلك قدمت على وظيفة معيده، مارست وظيفتي بحماس وقضيت جل وقتي في اعداد رسالة الماجستير وكأني اهرب مني كي لا أجد وقت لأفكر بك أو ابحث عنك.
مرت عامين على هذا الحال فرغ صبري لا استطيع المواصلة, الى هنا وكفى.
قررت العودة الى الامارات وليحدث أي شيء لم يعد يهمني ما يحدث بعد الان, أياً كان ما سيحدث فهو ارحم من هذا الاسر الذي أعيش به, اسر داخلي لا استطيع تحرير عقلي او قلبي او روحي اسرتني بأكملي ثم رحلت, ولا احد يستطيع تحريري من هذا الاسر سواك, قررت مغادرة كل شيء كما غادرتني انت ورحلت, سأطوي صفحات الماضي واجمل لحظات عمري وأكثرها سعادة, سأستسلم الى الواقع مهما كان مؤلماً ولتكن الخيرة فيما قدرة الله.
وها أنا الآن في مطار برلين وهذه آخر حروفي التي دونتها لك، أعلم انك لن تقرأها ولن أراك ثانيتا ولكن على كل حال سأفعل ما أمرتني بفعله ولتكن هذه آخر ذكرياتنا سويا، الوداع سعود.
.....

مطار دبي الدولي 2016م
اليوم ولدت من جديد وسأعيش من جديد متناسية ما مضى من ست سنين كأنها لم تكون.
غدا سأصحو باكرا لأبدأ حياتي دون ان يكون لك أي وجود بها.
أشعر بالوحشة كثيرا لفراق جميع أحبتي واحدا تلو الآخر ولكن الفراق والفقد علمني الكثير.
علمني أن اكون أمان لذاتي ولا أستمد الأمن من أحد، أن في كل تجربة عبرة وأنه لابد أن أبدأ من جديد بعد كل قصة لابد أن أتجاوز جميع مصاعب حياتي ولو كنت بمفردي كما علي الرضوخ والرضى بكل ما قسمه الله لي في هذه الحياة مهما كان صعبا علي  احتماله فمن المؤكد أنه له حكمة تحمل الكثير من الخير لي إذا لم أراه اليوم سأراه غدا بالتأكيد.
أغمضت عيناي على وسادتي وذرفت بعض الدمعات عزاءا على ما طويت من سنوات ورحلت في سبات عميق. 
......
رنت ساعة المنبه لتيقظني إنه ميلادي الجديد.
لدي بعض المهام التي يجب أن اقوم بها على الفور الآن ولا تحتمل التأجيل.
لابد من زيارة بيت خالي رحمه الله. 
بعد لحظات من الانتظار خلف الباب فتحت زوجة خالي المسنه، وبابتسامتها المعتادة.
- مرحبا بك يا ابنتي، حمدا لله على سلامتك،  حياك الله.
- اهلا بك خالتي، كيف حالك؟
- أنا بخير الحمد لله، عندما أراكم بخير اشعر بأن الحياة بأكملها تبتسم لي.
- كيف حال حمد؟ هل عاد إلى هنا؟
- نعم عاد منذ اكثر من عام الحمدلله كان خالك محقا لولاك لما عاد بني من جديد اشكرك كثيرا يا ابنتي.
- لم افهم ما قصدته خالتي.
- صوت الباب يبدو ان حمد عاد، سأخبره أنك عدتي.
- حسنا.
كنت اسمع صوت خطوات هادئة تذكرني بأحد ما، بالتأكيد أنا اتوهم.
الآن سوف أرى حمد لقد مضت سنوات طوال لم أراه فيها كم كنت اتمنى هذه اللحظة بفارغ الصبر، ماذا كانت تقصد خالتي بقولها لولاي لما عاد ابنها؟ هل من المعقول أن يكون قد عاد فقط من أجل أن نتزوج! يبدو أنه مجنون.
اقتربت الخطوات من غرفة الجلوس يبدو انها حانت لحظة اللقاء. 
ولكن ما اذهلني عندما دخل حمد  أنه لم يكن شخص غريب ولم أراه منذ سنوات طويلة، صرخت باسمه دون شعور وركضت نحوه دون أن اسيطر على نفسي.
- سعود! هل هذا انت حقا؟ هل انت بخير؟
كنت اتفقدك بجنون انظر لعيناك لملامح وجهك وسائر جسدك.
- انت حقا سعود كيف حدث هذا، لقد فقدت الامل في رؤيتك ثانيتا، كيف عرفت منزل خالي ؟ هل تعرف حمد هل انت صديقه؟
- أماني حبيبتي إهدائي أرجوك، أمي احضري لنا القهوة ريثما نتحدث قليلا.
- أمك!
- أماني الآن سأخبرك بكل شيء فقط استمعي إلي حتى انهي كل الحكاية.
- إلى ماذا استمع انا لا افهم ما يجري هنا.
- أنا هو حمد هوية سعود كانت مزورة حتى يمكنني الدخول إلى برلين، امضيت سنوات طوال في الخارج  في كندا لندن برلين وغيرهم كنت متورط مع عصابة مافيا وللأسف لم أعي ذلك إلا متأخرا، كنت اتنقل كثيرا لأنفذ الأوامر فقط دون معرفة ما وراء ذلك تستطيعين القول بأنها سذاجة أو غباء ولكن هذا ما حدث، في آخر لقاء لنا أخبرتك بأني سأعود وإن لم تعودي لن تريني ثانيتا هناك لقد قمت بعملية عسكرية ضد عصابة المافيا نصبت فخ وكنت أنا الطعم وفي المقابل إن نفذت من العملية بسلام سأكون حر مع منع السفر والعودة الى برلين ثانيتا.
- وماذا عني انا لماذا لم تخبرني بكل شيء منذ البداية لماذا خدعتني؟
- صدقيني لم أخدعك للحظة أبدا، بعد وفاة والدي رحمه الله اتصلت بي أمي وعمتي رحمها الله وأخبروني بالوصية التي تعرفينها، في الحقيقة كان من المستحيل بالنسبة لي الارتباط بك قبل التحرر من تلك المافيا اللعينة، لم استطيع إخبارهم بالحقيقة ولهذا تحججت بأني لا اريد الارتباط بك لأني لا اعرفك الا عندما كنت طفلة ومن الصعب علي الارتباط بك بهذه الطريقة اخبرتهم بأني سأخفي عليك هويتي حتى اتمكن من التعرف عليك عن كثب، حاولت الاقتراب منك بشتى الوسائل ولكن لم استطيع حتى اني اضطررت الى عمل تلك المسرحية امامك حتى يرق قلبك علي ولكن دون جدوى.
- انت لا تقصد الطعنة أليس كذلك؟
- بلى كان صديقي فعلنا هذا من أجلك،  الحقيبة في الاعلى سأحضرها لك بعد قليل.
- هل انت مجنون؟
- جميع محاولاتي باءت بالفشل ولكن القدر جاء بك إلي دون أي تدخل مني بعد اكثر من عام، فعلت ما بوسعي لحمايتك من كل شيء حتى من نفسي حاولت ابعادك عن تلك العصابة قدر استطاعتي وعندما رأيت أنك في خطر لم أستطيع المواصلة وحدث ما حدث.
- ليتك اخبرتني.
- محال، ما حدث كان لابد أن يحدث بنفس الطريقة بالضبط، الآن فقط أريدك أن تسامحيني.
- انت مجنون حقا.
- أنا اعتذر لأني جعلتك تندمين على حبك لي عندما قلتي ليتني لم احبك يوما.
- انت سامحني ليتني احببتك دوما ولم اندم على محبتي لك، انت تستحق أكثر من الحب، اعتذر لك حقا.
- حسنا آنستي المدللة سأسامحك بشرط فقط إن قبلتي الزواج بي.
ابتسمت بخجل وقلت بهمس " أقبل"


هناك تعليق واحد:

  1. هنيئا لك رجع محبوبك أما أنا الأن بدأ الطريق الطويل

    ردحذف